في السياسة، أن تعرف كيف تخسر أهم بكثير من أن تعرف كيف تربح. عندما تعرف كيف تخسر، يعود هناك أمل في أن تربح يوماً. أما الذين لا يعرفون كيف يخسرون، لا يعود أمامهم سوى الخسارة وتغطية كلّ خسارة بمزيد من الخسائر. كما في أيّ ناد للقمار، يعرف اللاعب الذكي كيف يحدّ من خسائره. من لا يعرف ذلك، يغرق ثم يغرق... الى أن يغرق نهائياً. هذه حال "حماس" التي لا تعرف حتى كيف تحدّ من خسائرها بعد فشلها الذريع في إدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية أو في غزة وفي التعاطي مع العالم.
يمكن وضع الضفة الغربية جانباً، خصوصاً أنها مستهدفة من إسرائيل التي تسعى الى تكريس الإحتلال لجزء منها. وموضوع تكريس الإحتلال لجزء من الضفة عبر بناء "الجدار الأمني" موضوع في غاية الأهمية وهو في صلب النضال الفلسطيني في هذه المرحلة، في حين أن تركيز "حماس" على أن المطلوب منها الاعتراف بإسرائيل وهو أمر غير صحيح، ليس سوى هرب من الواقع ومن مواجهته. لو كانت "حماس" جدّية في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، لكانت عملت قبل كلّ شيء على استتباب الأوضاع الأمنية في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منه قبل ما يزيد على سنة. في الفترة التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من غزّة، غرقت "حماس" في الأوهام، اعتقدت، ولا تزال تعتقد، أن في استطاعتها تحرير فلسطين من البحر الى النهر أو من النهر الى البحر انطلاقاً من غزّة ناسية أن إسرائيل انسحبت من القطاع تنفيذاً لسياسة لئيمة من بين أهدافها إظهار أن الفلسطينيين لا يستطيعون حكم أنفسهم بانفسهم وهم لا يستحقّون بالتالي دولة.
ما يساعد في تنفيذ السياسة الإسرائيلية فوضى السلاح في غزة حيث يقيم رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنيّة ووزير الداخلية سعيد صيّام الذي لا يبدو أن في استطاعته أن يكون أكثر من زعيم ميليشيا في هذا الحي الفلسطيني أو ذاك.
هل يمكن أن تسقط القضية الفلسطينية وهي قضية العرب الأولى وربما الأخيرة، نظراً الى أن لا قضايا أخرى يستطيعون التحكّم بها ولو بنسبة واحد في المئة كما الحال في العراق، هذا السقوط المريع نظراً الى عدم قدرة "حماس" على مواجهة الحقيقة والتعاطي مع الواقع؟ نعم إن القضية الفلسطينية من سيئ الى أسوأ في ظل حكومة "حماس" المستقيلة وفي ظلّ رفض الحركة تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على التعاطي مع العالم وفك الحصار عن الشعب الفلسطيني.
ليس كافياً أن يلتقي الرئيس بوش الإبن مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس في البيت الأبيض كي تعود الحياة الى الضفة الغربية وغزة وكي يُفك الحصار الظالم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني. لا بدّ من الاعتراف بأن الكرة في الملعب الفلسطيني في هذه الأيّام وأنّ على الفلسطينيين إعادة ترتيب أمورهم ومواجهة الاحتلال بغية التخلّص منه. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في النهاية هل "حماس" تمتلك حرّية قرارها؟ هذا هو السؤال الكبير. هل "حماس" حرّة؟ هل تستطيع السيطرة على الأوضاع في غزة على الأقلّ؟
المسألة ليست مسألة حكومة وحدة وطنية تلتزم قرارات الشرعية الدولية لا أكثر ولا أقلّ. الموضوع هل "حماس" قادرة على أن تكون حرّة وأن تضع نفسها في خدمة الشعب الفلسطيني؟ كلّ ما عدا ذلك كلام بكلام، كلام يقوله اسماعيل هنيّة وينفيه أحد قادة الحركة من دمشق. وفي غضون ذلك، تستمر فوضى السلاح. ولا يرى العالم، الذي يفترض أن يتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع أنواع الإرهاب الذي هو إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، سوى ملثّمين مسلّحين في غزة وغير غزة يطلقون النار في الهواء لسبب أو لغير سبب.
مرة أخرى، هل تعرف "حماس" كيف تخسر... أم أن ليس أمامها سوى الهرب من الاستحقاق الحقيقي المتمثل في قبول ما هو مطلوب منها، أي احترام الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، عن طريق القول أنها ترفض الاعتراف بإسرائيل. عملية الهرب الى أمام هذه لا تستهدف سوى أمر واحد هو تغطية واقع أن الحركة ليست حرّة وأنها غير قادرة على اتخاذ موقف واضح من تشكيل حكومة فلسطينية تقول في بيانها الوزاري إنها تلتزم قرارات الشرعية الدولية لا أكثر ولا أقلّ. الأيام القليلة المقبلة حاسمة فلسطينياً. ستظهر ما إذا كان في استطاعة "حماس" الانتصار على "حماس" وأن تقول إن هناك شيئاً اسمه القلرار الفلسطيني المستقل. إنّه القرار الذي استشهد ياسر عرفات من أجله لا أكثر ولا أقلّ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.