8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فشلان أميركيان بدل الفشل الواحد

عادت افغانستان إلى الواجهة فجأة. بعد مرور خمس سنوات على أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، يتبيّن ان المهمة التي نذرت الولايات المتحدة نفسها من أجلها في افغانستان لا تزال غير منتهية. أكثر من ذلك، يبدو أن هناك حرباً جديدة، أو على الأصحّ متجدّدة، في افغانستان، وأنّ "طالبان" لا تزال حيّة ترزق وهي قادرة على المقاومة طويلاً.
ثمة عوامل كثيرة تستفيد منها "طالبان" التي عادت تقتل وتفجّر في أنحاء مختلفة من افغانستان. في مقدّم هذه العوامل الاعتقاد الأميركي أنّ كلّ شيء سار على ما يرام في البلد منذ إسقاط نظام "طالبان"، وأن الحركة هُزمت أمام التجربة الديموقراطية التي استطاع الغرب فرضها خصوصاً بعد إجراء انتخابات "حرّة" في البلد. ومن هذا المنطلق لم تعد حاجة إلى مزيد من القوات الأطلسية والدولية لضبط الأوضاع الأفغانية.
من الواضح أنّ الحسابات الأميركية في افغانستان كانت خاطئة. هناك "طالبان" التي عادت تقتل وتفجّر بعدما تبيّن انها استطاعت التقاط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها. وهناك فشل في تشكيل سلطة جديدة متجانسة في افغانستان بدليل عودة "أمراء الحرب" إلى الواجهة، كلّ يحكم منطقته، وازدهار زراعة المخدرات وإنتاجها مجدداً والشكوى الباكستانية الصادرة عن الرئيس برويز مشرّف الذي بات يعتقد ان زعيم "طالبان" الملاّ عمر صار أشدّ خطورة من أسامة بن لادن! وفوق ذلك كله يأتي الفشل الأميركي في إلقاء القبض على زعيم "القاعدة" ليتوّج خمس سنوات من الجهود الفاشلة في تحويل افغانستان إلى تجربة ناجحة.
يحصد الأميركيون حالياً، ومعهم البريطانيون، نتائج جهلهم للوضع الأفغاني، انه جهل من النوع العميق، إلى درجة انه حال دون استفادة الأميركيين من أي تجربة سابقة لهم في هذا البلد. ربما كانت التجربة الأهم التي كان على الادارة الأميركية التوقف عندها قبل الإقدام على أي خطوة في افغانستان، تلك التي سبقت أحداث الحادي عشر من أيلول، حين كانت الولايات المتحدة تشجع "طالبان" على فرض الأمن في البلد ومكافحة زراعة الأفيون وبسط نفوذها على كل شبر من الأرض الافغانية على حساب مَن يسمّون "أمراء الحرب". وكان بين "أمراء الحرب" أحمد شاه مسعود صديق الأميركيين الذي لم يتوقف عن تحذيرهم من نتائج دعم "طالبان"، ومن الخطورة التي يشكلها شخص أسامة بن لادن. ولكن ما العمل مع إدارة لا تريد سماع نصائح أقرب المقرّبين إليها، ادارة همّها الأوّل والأخير في مرحلة معينة إيجاد سلطة مركزية قويّة في افغانستان لتفادي مرور الأنابيب التي تنقل النفط المستخرج من آسيا الوسطى ومحيط بحر قزوين عبر ايران أو الأراضي الروسية. لم تدرك الولايات المتحدة خطورة اسامة بن لادن و"طالبان" إلا متأخرة. وكان على أحمد شاه مسعود زعيم "تحالف الشمال" دفع حياته ثمناً لمقاومته "طالبان" وأسامة بن لادن، فقد أرسل الأخير اليه مَن يقتله قبل ثمانٍ وأربعين ساعة من أحداث الحادي عشر من أيلول.
يمكن القول، إن في أساس الفشل الأميركي في افغانستان الجهل التام لما يمكن أن يؤدي إليه الاستثمار في "طالبان" من جهة والانصراف إلى حرب العراق من جهة أخرى وذلك قبل الانتهاء من تنظيف افغانستان من حركة متخلّفة ومتطرفة في آن وحتى من بن لادن. من نصح الادارة الأميركية بالذهاب الى العراق فور الانتهاء من اسقاط نظام "طالبان" في افغانستان، بغض النظر عن النتائج التي ستترتب على ذلك وقبل ترتيب الأوضاع في البلد؟ ثمة شخص لعب دوراً أساسياً في هذا المجال، انه بول ولفويتز رئيس البنك الدولي حالياً الذي كان نائباً لوزير الدفاع لدى وقوع احداث الحادي عشر من أيلول. في اللقاء الأول لكبار المسؤولين الأميركيين الذي انعقد في منتجع كامب ديفيد برئاسة بوش الابن للبحث في الرد على العمل الارهابي الذي استهدف نيويورك وواشنطن، أثار ولفويتز قضية العراق رابطاً نظام صدام بالارهاب.
اعترض عليه كولن باول وزير الخارجية الأميركي وقتذاك، وتقرر التركيز على افغانستان أولاً. ولما سُئل نائب وزير الدفاع لاحقاً عن الأسباب التي دفعته الى طرح قضية العراق في الاجتماع، أجاب انه "زرع البذور". ولم يمضِ وقت طويل إلا وأينعت البذور التي زرعها ولفويتز وفي آذار 2003، بدأ الاجتياح الأميركي للعراق.
بدل الفشل الأميركي الواحد، هناك فشلان في كل من افغانستان والعراق. أقل ما يفترض في الأميركيين ادراكه ان الحرب غير المنتهية لا يمكن ان تكون سبباً لحرب جديدة أو أساساً لمثل هذه الحرب. لم تنجح أميركا في افغانستان كي تسمح لنفسها بالانتقال الى العراق... أما ولفويتز، فلم يجد ما يقوله لصحيفة "لوموند" قبل أيام سوى أنه يعترض بصفة كونه رئيساً للبنك الدولي على منع السلطات في سنغافورة التظاهرات التي سينظمها المعادون للعولمة احتجاجاً على اجتماعات للمؤسسات المالية العالمية في أراضيها. صار ولفويتز يقول الآن: "من المهم الاستماع الى الذين لا يفكرون مثلنا. هؤلاء يمكن أن يكونوا على حق أحياناً. في موضع الحرب على العراق، كان المعترضون على أمثال ولفويتز على حق لا أكثر ولا أقل، لماذا لم يستمع اليهم في حينه؟!".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00