8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بحثاً عن حكومة فلسطينية ذات معنى!

تُبذل جهود حثيثة لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. وكان أن اتخّذ رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيّد محمود عبّاس (أبو مازن) موقفاً عاقلاً عندما أعاد تكليف السيّد إسماعيل هنيّة إعادة تشكيل الحكومة التي يتوقّع هذه المرّة أن تضم شخصيّات تمثّل المكوّنات السياسية المختلفة...هذا إذا أمكن تشكيل حكومة. في النهاية لا يستطيع رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينية التهرّب من أن أكثرية أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني رشّحت هنية لمنصب رئيس الوزراء. إنّه واقع لا يستطيع تجاوزه على الرغم من أنّ عودة قيادي من "حماس" الى رئاسة الحكومة لا يبشّر بالخير في غياب القدرة لدى قيادة الحركة على اتخاذ قرار واضح في شأن الإستراتيجيّة السياسية الواجب اعتمادها.
ما يبدو ملحّاً على الصعيد الفلسطيني يتجاوز بكثير حكومة الوحدة الوطنية التي يخشى أن تُكرّس حال الشلل التي أدّت حتى الآن الى تدهور الأوضاع الفلسطينية بشكل لا مثيل له. يتمثّل الأمر الملحّ في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها القضيّة العربية الأمّ في إيجاد برنامج سياسي معقول ومقبول من العالم تنتهجه الحكومة الفلسطينية. الأكيد أن الأسرة الدوليّة لم تقاطع الحكومة الفلسطينية الحالية لأنّها حكومة "حماس". لقد قاطع العالم الحكومة الفلسطينية وقطع رغيف الخبز عن الشعب الفلسطيني لأنّ الحكومة الفلسطينية برئاسة اسماعيل هنيّة رفضت التزام الإتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بما في ذلك وجود اعتراف متبادل بين الجانبين. الحكومة الإسرائيلية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو الموقع قبل ثلاث عشرة سنة بالتمام والكمال، ومنظمة التحرير اعترفت في المقابل بإسرائيل. ثمة من سيقول أن المسألة مرتبطة بمنظمة التحرير وليس بالحكومة الفلسطينية. يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً لولا أن الحكومة الفلسطينية منبثقة عن انتخابات حرّة أُجريت بموجب اتفاق أوسلو. وثمّة من سيقول أن إسرائيل لا تحترم الإتفاقات الموقعة، لماذا إذاً على الجانب الفلسطيني احترامها؟ هذا صحيح الى حدّ كبير وإسرائيل لم تمارس سوى إرهاب الدولة خصوصاً منذ قتل متطرف يدعى ييغال عمير رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين الذي وقّع أتفاق أوسلو مع الشهيد ياسرعرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، رحمه الله، في حديقة البيت الأبيض في الثالث عشر من أيلول 1993. لكنّ المشكلة تكمن في أنّ من مصلحة الشعب الفلسطيني احترام الإتفاقات الموقّعة لأنّ لا مفر له من ذلك، أقلّه من أجل أن يدرك العالم من هو القاتل ومن هو الضحيّة. المؤسف أن السياسة التي أتبعتها "حماس" حتى الآن ساهمت الى حدّ كبير في جعل القاتل الضحيّة والضحية القاتل. إضافة الى ذلك لا يمكن تجاهل أن العالم ظالم وأنّ لا بدّ من التعاطي معه على هذا الأساس في ضوء عدم القدرة على تغييره. في النهاية، إن الجيش الإسرائيلي يقصف يومياً الفلسطينيين ويقتل النساء والأطفال وليس الجيش الفلسطيني هو الذي يطوّق حيفا وتل أبيب. كل ما تفعله "حماس" ومن لفّ لفها أنها تساعد إسرائيل في إيجاد غطاء للإرهاب الذي تمارسه. أكثر من ذلك، تلعب "حماس" بكلّ أسف دور تحويل الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك وصراعات ذات طابع إقليمي خدمة للمحور الإيراني ـ السوري الذي لا مانع لديه في إفناء الشعب الفلسطيني كلّه ومعه الشعب اللبناني من أجل التفاوض مع الولايات المتحدة والأسرة الدولية من موقع قوّة.
لا أهمية للحكومة الفلسطينية إلاّ إذا أستطاعت فك العزلة السياسية المضروبة عليها وفك الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني. كلّ ما عدا ذلك دوران في حلقة مفرغة ومضيعة للوقت ليس إلاّ. لا داعي للأحتماء بمنظمة التحرير الفلسطينية والقول أن المنظمة تستطيع التفاوض مع إسرائيل وتستطيع الاعلان عن أنّها ستحترم الإتفاقات الموقّعة. المطلوب بكلّ بساطة حكومة فلسطينية تقدّم برنامجاً سياسياً واضحاً مبنيّاً على استراتيجية تأخذ في الإعتبار موازين القوى الإقليمية والدولية من جهة ووجود رغبة دولية في التوصّل الى حل في فلسطين من جهة أخرى.
ما يبدو واضحاً أن العالم بات يدرك أن السياسة الإسرائيلية القائمة على فكرة أنّ لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه سياسة مفلسة. اتبع أرييل شارون هذه السياسة وتمسّك بها خليفته إيهود أولمرت وكانت النتيجة فشلاً تلو الفشل. لكنّ المشكلة أن عذابات الشعب الفلسطيني زادت مع كلّ فشل إسرائيلي. الآن، ثمة تحول في الرأي العام العالمي وداخل إسرائيل نفسها في أتجاه العودة الى طاولة المفاوضات. واجب الفلسطينيين تشكيل حكومة برئاسة اسماعيل هنيّة أو غيره والاعلان بالفم الملآن أن هناك شريكاً فلسطينياً يمكن التفاوض معه وأن هناك إصراراً على هذا الموقف وتمسّكاً به مهما فعل الإسرائيلي ومهما مارس من إرهاب. هناك شعب يريد الحياة، شعب يحق له التمتّع بحقوقه حتى لو كان ذلك على جزء من أرضه التاريخية، شعب يعترف أخيراً بأن الشعارات لن تقوده الى أي مكان باستثناء الى استخدامه وقوداً في معارك الآخرين. هل تشكّل حكومة فلسطينية لها معنى، أي حكومة تتعاطى مع الواقع ولا تعيش في الأوهام؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00