8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

خمس سنوات على 11 أيلول 2001

قبل خمس سنوات، في الحادي عشر من أيلول 2001 تحديداً، وقعت الهجمات التي شنّها تنظيم "القاعدة" الإرهابي على نيويورك وواشنطن مستهدفاً المدنيين خصوصاً. كان الهجوم الذي سمّاه الإرهابي أسامة بن لادن "غزوة" واشنطن ونيويورك إيذاناً ببدء الحرب الأميركية على الإرهاب، وهي في الواقع الحرب العالمية الجديدة التي تختلف عن كلّ ما سبقها من حروب. تختلف هذه الحرب عن غيرها من زاوية واحدة على الأقلّ تتمثّل بأن هدف الحرب يتغيّر باستمرار. من حرب على الإرهاب الذي تمثّله "القاعدة" التي كانت وجدت في أفغانستان مأوى آمناً لها الى حرب على العراق... الى حديث الآن عن ضرورة ضمّ إيران ومعها سوريا الى هذه الحرب.
كانت السنوات الخمس الماضية كافية لإظهار كم أن السياسة الأميركية قصيرة النظر. لم يدرك الأميركيون منذ البداية أخطار استخدام "القاعدة" في الحرب الأفغانية بغية شن حرب استنزاف على الاتحاد السوفياتي طوال فترة الثمانينات من القرن الماضي. وكانت النتيجة أن "القاعدة" وهي إنتاج أميركي في الأصل ارتدت على مرتكبيها وهاجمت الأراضي الأميركية للمرة الأولى منذ قيام دولة اسمها الولايات المتحدة. حتى الهجوم الياباني على بيرل هاربر في السابع من كانون الأول 1941، لم يُعتبر هجوماً على الأرض الأميركية نظراً الى أن هاواي تقع على بعد آلاف الكيلومترات من البر الأميركي.
في الحادي عشر من أيلول 2001، انقلب السحر على الساحر. دفعت الولايات المتحدة ثمن الإستثمار في منظمات دينية متطرّفة بحجة استخدامها في الحرب الباردة مع ما كان يعتبر القوة العظمى الأخرى في العالم. لم تتنبّه الإدارات الأميركية المتلاحقة من إدارة كارتر، الى إدارة ريغان، الى إدارة بوش الأب، الى إدارة بيل كلينتون الى خطورة هذا النوع من الإستثمارات من جهة وخطورة تفادي البحث في جذور المشكلة من جهة أخرى. وتكمن الجذور بكل بساطة في أن مجتمعات عربية صارت تنتج هذا النوع من الإرهابيين بسبب أنظمة تعليميّة متخلّفة معتمدة في هذا البلد أو ذاك لم تعرها الإدارة الأميركية أيّ اهتمام إلاّ بعد فوات الأوان.
بعد خمس سنوات على هجمات 11 أيلول 2001، بدأ الرئيس بوش الإبن يتحدّث عن خطري "القاعدة" والنظام الإيراني في الوقت ذاته. يبدو واضحاً أن إدارته لم تستوعب بعد النتائج التي ترتّبت على ضرباتها العشوائية بعد الهجمات التي استهدفت نيويورك وواشنطن. أسقط الأميركيون النظام المتخلّف لـ"طالبان" في أفغانستان نظراً الى أنه وفّر مأوى لبن لادن وتنظيمه، ولكن ما دخل العراق بتنظيم "القاعدة" ولماذا شنّ حرباً على هذا البلد في سياق الحرب على الإرهاب؟ الأكيد أنّه كان ضرورياً أن يرحل نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي لأسباب مختلفة، خصوصاً بعد جريمة احتلال الكويت وبعد كلّ ما فعله بالعراق والعراقيين الذين تنقّل بهم من حرب الى أخرى. ولكن ما ليس مفهوماً الى الآن كيف يمكن للقوة العظمى الوحيدة في العالم أن تخوض حرباً كتلك التي خاضتها في العراق من دون أن تكون لديها فكرة عن النتائج التي ستترتّب على مثل هذا العمل؟
يتحدث الرئيس الأميركي هذه الأيام عن الخطر الإيراني. من مكّن النظام في طهران من امتلاك كلّ هذا النفوذ الإقليمي غير السياسة الأميركية والسياسة الإسرائيلية الى حد كبير؟ أوليست إيران المنتصر الأوّل من الحرب الأفغانية بعدما أزاح الأميركيون نظاماً معادياً لها على حدودها؟ أليست إيران المنتصر الوحيد من الحرب الأميركية على العراق وسقوط نظام صدّام حسين عدوّها التاريخي؟ أوليس الإحتلال الأميركي للعراق هو الذي مكّن النظام الإيراني من نشر نفوذه في كلّ أنحاء العراق، خصوصاً في الجنوب الذي أصبح أقرب الى محافظة إيرانية أكثر من أيّ شيء آخر؟ أوليس الإحتلال الأميركي الذي قضى على الوجه الحضاري لبغداد، أو على الأصحّ، ما بقي من هذا الوجه الذي كانت تعكسه حياة اجتماعية ذات طابع مدني تأسست في العشرينات مع نشوء الدولة العراقية الحديثة؟ أليست إيران ومعها النظام السوري المنتصر الأوّل من الحرب التي شنّتها إسرائيل على الراحل ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، ما أدّى الى صعود "حماس" التي يُدار قسم منها من دمشق وطهران؟
يمكن أيضاً الحديث طويلاً عن تعاظم الدورالإيراني في لبنان جراء السياستين الأميركية والإسرائيلية، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول 2001 وحتى قبل ذلك، لكنّ كلّ ما يمكن قوله هذه الأيّام أن الإرهاب لا يحارب بتوزيع الإتهامات يميناً ويساراً. الإرهاب يحارب عن طريق اتباع سياسة أميركية مختلفة تقوم على الإبتعاد عن التصرّفات العشوائية على غرار ما حصل في العراق أو في فلسطين حيث تُركت الساحة لأرييل شارون يمارس إرهابه على شعب بكامله من أجل تكريس الإحتلال.
نعم هناك مشكلة اسمها الإرهاب في العالم. لكنّ هذه المشكلة لا تعالج عن طريق عمل كلّ شيء من أجل أن يكون النظام الإيراني المستفيد الأوّل من السياسة الأميركية، ثم اكتشاف أن لا بدّ من مواجهة هذا النظام. ليس مطلوباً الدخول في مواجهة مع إيران بمقدار ما أن المطلوب التساؤل من دفع الولايات المتحدة الى احتلال العراق وما هو الهدف الحقيقي للعملية؟ هل تصب في خدمة محاربة الإرهاب أم في خدمة شرذمة المنطقة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00