8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل تعترف حكومة إسرائيل بالفشل؟!

ثمة حاجة الى العودة الى القضيّة الفلسطينية. لن يكون في استطاعة أيّ قوة دولية أو إقليمية التفرّغ الى معالجة الوضع في الشرق الأوسط والسعي الى إعادة الاستقرار الى هذه المنطقة الحسّاسة من دون البحث الجدي في كيفية معالجة القضيّة الفلسطينية.
تبيّن أنّ القضية الفلسطينيّة ما زالت القضيّة الأهم في المنطقة وذلك على الرغم من الحرب الأهلية ذات الطابع المذهبي في العراق وعلى الرغم من الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان... وعلى الرغم من الانشغال الدولي بالبرنامج النووي الإيراني. واكتشفت إسرائيل أخيراً أن ليس في استطاعتها التعاطي مع ما تعتبره من وجهة نظرها "تحديّات إقليمية مستجدّة" من دون التوصّل الى تسوية مع الجانب الفلسطيني. مثل هذا الكلام الذي بدأ يردده مسؤولون ومعلّقون جميل جدّاً لو تجاوز التمنيات الى ما هو أهمّ من ذلك أي الى أفعال. مثل هذه الأفعال يمكن أن تتمثّل في خطوات لإنهاء ما هو في أساس المشكلة القائمة، أي الاحتلال.
مرّة أخرى، لا مفر من الاعتراف بأنّ التركيز العالمي والإقليمي انتقل الى نزاعات إقليمية أخرى طغت على القضيّة الفلسطينية التي صارت قضية منسيّة. وعلى رأس هذه النزاعات ما يشهده العراق الذي صار بفضل السياسة الأميركية معقلاً للإرهاب بديلاً من أفغانستان في عهد "طالبان". أكثر من ذلك، صار العراق ورقة إيرانية تستخدم في النزاعات الاقليمية التي تهمّ النظام الإيراني ذا الطموحات الإقليمية الواسعة. يحصل كلّ ذلك من دون أن يرف جفن للإدارة الأميركية الحالية ومن دون أن تسأل إسرائيل عن الذي تفعله في فلسطين وما ترتكبه من جرائم في حقّ الفلسطينيين، علماً أن الرئيس جورج بوش الابن دعا صراحة الى إقامة دولة فلسطينية "قابلة للحياة".
ما تفعله إسرائيل حالياً وما ترتكبه من جرائم، خصوصاً في قطاع غزّة، يفوق كلّ تصوّر. صحيح أنّها تستفيد من اخطاء "حماس" التي شكّلت حكومة لا تعرف كيف يكون التعاطي مع العالم أو أهميّة ذلك، حكومة صارت ضحية الصراعات بين أجنحة الحركة في الداخل والخارج وهي أجنحة ذات ولاءات لهذا المحور الاقليمي أو ذاك، لكنّ الصحيح أيضاً أن الاستفادة من تصرّفات "حماس" يجب ألاّ تلغي البحث عن حلّ عملي يؤدّي الى تسوية عادلة الى حدّ ما توفّر للشعب الفلسطيني فرصة للتمتع بحقوقه المشروعة وممارستها، ولو على جزء من أرضه التاريخية، مثله مثل أيّ شعب آخر من شعوب المنطقة.
كان خطف الجندي الإسرائيلي بتوجيه من قيادة "حماس" في دمشق، وهي قيادة تابعة للمحور الإيراني ـ السوري، كارثة على الشعب الفلسطيني. وساهمت حرب لبنان التي نجمت عن خطف "حزب الله" جنديين إسرائيليين في ذهاب الآلة العسكرية الإسرائيلية بعيداً في الانتقام من الشعب الفلسطيني، كما لو أنّ المطلوب الإمعان في تعذيب هذا الشعب فيما أنظار العالم مركزة على قضية أخرى. لقد حوّلت إسرائيل غزّة الى سجن كبير وأعادت الاحتلال إليها من دون أن يدخل جنودها القطاع مجدداً وذلك عن طريق سدّ كل المعابر وشن غارات يومية على أحياء معيّنة في القطاع. لا ماء، لا كهرباء، لا خدمات صحيّة في معظم أنحاء غزة التي اكتشفت إسرائيل أن احتلالها من الخارج أسهل من احتلالها من الداخل... وربّما أقل كلفة.
مثل هذه السياسة تؤسس لمزيد من الحقد على الاحتلال. إنّها سياسة قصيرة النظر، أقلّه لسبب واحد، هو أن ليس في استطاعة أحد التخلّص من الشعب الفلسطيني الذي لن يتوقف عن مقاومة الاحتلال. ماذا ستنتظر إسرائيل من شعب وضع بكامله في سجن؟ ما الردّ الذي تتوقعه من شعب فقد نحو ثلاثمئة قتيل بينهم ما يزيد على ستين طفلاً بريئاً وعشرات النساء منذ خطف الجندي الإسرائيلي؟
أفلست السياسة الإسرائيلية في مواجهة الشعب الفلسطيني. وهذا يعني أن هناك حاجة الى حلّ وإلى التخلي عن حجر الزاوية الذي بُنيت عليه هذه السياسة، أي المبدأ القائل أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. مثل هذا الشريك موجود على الرغم من أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (أبو مازن) شخص متردد لم يحسن حتى الآن وضع حكومة "حماس" أمام مسؤولياتها. هناك مخرج في حال قررت إسرائيل التخلي عن سياسة الخطوات الأحادية الجانب التي لم تؤد الى الآن سوى أضعاف الفلسطينيين الساعين الى تسوية وتقوية "حماس" وما شابه "حماس". يتمثّل هذا المخرج في السعي الى العودة الى طاولة المفاوضات وذلك ليس مع الجانب الفلسطيني وحده. هناك أراض سورية محتلّة أيضاً ولا بد إذاً من البحث عن حلّ شامل. من دون هذا الحل سيظلّ الشرق الأوسط في حال من عدم الاستقرار لا تفيد أحداً بما في ذلك الذين يراهنون على أن حال اللاحرب واللاسلم يمكن أن تستمرّ الى ما لا نهاية. هناك حاجة اليوم قبل الغد الى اعتراف إسرائيلي بالفشل وأنّ لا بدّ من سياسة جديدة مبنيّة على مبدأ أن يأخذ كلّ ذي حقّ حقّه. هل يمكن لحكومة إيهود أولمرت الاعتراف بالفشل، أو هل تملك ما يكفي من الشجاعة للإقدام على مثل هذه الخطوة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00