في حسابات الربح والخسارة، جاءت المواجهة الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل على حساب لبنان. جاءت على حساب كلّ لبناني غيور على بلده وعلى بناء مستقبل لأبنائه في البلد وليس خارجه. الأكيد أن "حزب الله" يعتبر أنّه خرج منتصراً من الحرب، إذ يكفيه أنّه حافظ على بنيته العسكرية ولم يخسر كوادره على حدّ تعبير غير مسؤول في الحزب. أما في إسرائيل حيث قيادة غبية لا تؤمن سوى بالعنف والوحشية وبإمكان فرض حلول من جانب واحد عبر أستخدام القوّة ولا شيء غير القوّة، فيبدو واضحاً أن هناك من بدأ يكتشف أنّ المشكلة كانت منذ البداية مع إيران وليس مع لبنان. ومن هذا المنطلق، بدأت تظهر تحليلات في وسائل الأعلام الإسرائيلية عن أبعاد المواجهة مع "حزب الله" ومع حسنات حصولها في هذا الوقت المبكر. تركز التحليلات الإسرائيلية، التي تعترف بالمقاومة الباسلة التي أظهرها رجال "حزب الله"، على سيناريو كان يمكن أن يحصل بعد سنوات من الآن. بموجب هذا السيناريو، كان سيتوجب على إسرائيل الدخول في مواجهة مع "حزب الله" في ظل مظلة نووية إيرانية يتمتّع بها الحزب. ومن وجهة نظر التحليلات الإسرائيلية ذاتها، كان مفيداً لإسرائيل أن تحصل المواجهة هذا الصيف وليس في مرحلة لاحقة، نظراً الى أن الدولة اليهودية باتت تدرك جيّداً ما الذي ينتظرها إنطلاقاً من الحدود مع لبنان في حال توجيه ضربة أميركية لإيران. باتت إسرائيل تدرك حدود قدرات "حزب الله" وما يستطيع عمله إنطلاقاً من جنوب لبنان.
يُعتبر لبنان الخاسر الأوّل من الحرب ، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار الأضرار التي لحقت بمدنه وقراه وبنيته التحتية إضافة الى تلك التي لحقت باللبناني الذي بات عليه أن يفكّر في مستقبل خارج لبنان. لقد نجحت إسرائيل بفضل الفرصة التي وفّرها لها "حزب الله" في جعل لبنانيين كثيرين يفقدون الثقة بوطنهم ومستقبله. هل من ضربة أكبر من هذه الضربة توجّه الى اللبنانيين الذين لم يصدّقوا أنّ بلدهم استعاد عافيته وأنّه بات في مقدورهم العودة إليه والعيش في ربوعه وتربية أولادهم فيه؟
الأكيد أن هناك منتصرين آخرين الى جانب "حزب الله" وإسرائيل. إنهما النظامان في سوريا وإيران. ولكن من الأفضل لهذين النظامين التفكير بطريقة مختلفة في حال يريدان النظر الى ما هو أبعد من الانتصارات الوهمية التي يعتقدان أنّها تحققت في لبنان وعلى حسابه. يمكن بالطبع فهم إصرار النظام السوري، الذي لا يزال أسير عقدة خروجه العسكري من لبنان بالطريقة التي خرج بها بعدما حمّله اللبنانيون الأحرار بطريقة أو بأخرى مسؤولية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على أنّه حقّق انتصاراً كبيراً. يكفي أن الرئيس بشّار الأسد استطاع تحقيق ما وعد به رفيق الحريري بعدما اتّهمه بالوقوف وراء القرار 1559، لجهة أنّه سيدّمر لبنان عليه. نعم لقد قال بشّار هذا الكلام للعربي الأصيل الذي اسمه رفيق الحريري. وها هي إسرائيل تنفّذ له أمنياته التي كانت الى ما قبل فترة قصيرة مجرّد أحلام. ولكن في النهاية، يفترض في كلّ من يحكم سوريا أن يفكّر في أنّ العالم تغيّر وأنّ أيّ ضرر يلحق بلبنان ستكون له نتائج سلبية على سوريا وعلى شعبها المظلوم. يمكن أن يضحك بشّار الأسد اليوم، ولكن عليه أن يتذكّر دائماً المثل الفرنسي القائل أن الذي يضحك أخيراً هو الذي يضحك حقيقة. لقد اعتقد النظام السوري أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستخرجه من أزمته وستطيح الحكومة اللبنانية التي توفّر الغطاء الشرعي للتحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري. إنّه لا يدرك أن التحقيق مستمر وسيصل عاجلاً أم آجلاً الى حيث يجب أن يصل. أكثر من ذلك، إن القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيبقى سيفاً مصلتاً على رقبة النظام في دمشق الذي يصدّر الأسلحة الى لبنان معتقداً أن في استطاعته التغلّب على أزماته من خلال تصديرها الى الخارج.
ما يعتقده النظام السوري انتصاراً هو في الحقيقة وهم أكثر من أيّ شيء آخر. أما النظام الإيراني الذي اعتقد أن لبنان خط الدفاع الأوّل عن برنامجه النووي، فهو ليس في وضع أفضل من النظام السوري، خصوصاً أن حرب إسرائيل على لبنان لم تؤجل أيّ من الإستحقاقات المترتبة عليه بدليل أن تركيز المجتمع الدولي لم يتزحزح عن إيران على الرغم من كلّ المآسي التي تعرّض لها لبنان. وبكلام أوضح، إستخدم النظام الإيراني لبنان الى أقصى درجة، بل استهلك لبنان الذي لم يعد يفيده بشيء، خصوصاً أن قسماً لا بأس به من أبناء الطائفة الشيعية بدأ يدرك معنى أن يكون البلد مجرّد ورقة إيرانية والثمن الذي على الشيعة تحديداً دفعه جراء ذلك.
كثيرون يرون أنّهم انتصروا. من "حزب الله"، الى إسرائيل، الى النظام السوري، الى النظام الإيراني. وحده لبنان يعترف بهزيمته وبأن عليه لملمة جراحه. ومع ذلك ليس مستبعداً أن يخرج لبنان بعد فترة منتصراً مؤكّداً أن الدم يمكن أن ينتصر على السيف. وأنّ الحرّ يمكن أن ينتصر على المرتهنين والمغرضين الذين يريدون المتاجرة بلبنان واللبنانيين في سوق النخاسة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.