8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

متى تعود القضية الفلسطينية الى الواجهة؟

طغت الأحداث اللبنانية على كلّ ما عداها في المنطقة. صارت القضيّة الفلسطينية قضيّة منسية على الرغم من أنّها القضيّة الأمّ في الشرق الأوسط وعلى الرغم أنّه من دون إيجاد تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين لا أمل في أيّ نوع من الاستقرار في المنطقة. طبعا لا بدّ أن يعود الجَوْلان الى سوريا شرط أن يكون النظام السوري يعتبر أن لديه أرضاً محتلّة وأنّه يستطيع العيش في حال أخرى غير حال اللاحرب واللاسلم مع إسرائيل.
ما يمكن استخلاصه من الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان أن أحد الأهداف التي سعت إليها الدولة اليهودية، إذا وضعنا جانباً الرغبة الواضحة في الانتقام من لبنان، يتمثّل في تهميش القضية الفلسطينية. الواضح أنّ ثمة مَن ساعد إسرائيل في ما تسعى إليه بتوفير المبررات لشن العدوان على لبنان في وقت كان مطلوباً أكثر من أيّ وقت توجيه الأنظار الى المأساة التي يعانيها الشعب الفلسطيني.
المؤسف أن قوى عدّة في المنطقة تبدو على استعداد لدعم التوجه الإسرائيلي الرامي الى تهميش القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية شعب يسعى الى استعادة حقوقه وإزالة الاحتلال عن أرضه الى شعب لا يستأهل دولة مستقلة. لو لم يكن الأمر كذلك، لما شهدت غزّة في الأسابيع الأخيرة جملة أحداث مقلقة التي تصب كلّها في اتجاه واحد يتلخص بأنّ الفلسطينيين ليسوا قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم. في أساس هذه الأحداث فوضى السلاح التي تشجّع عليها إسرائيل والتي في أساس التراجع المستمر للقضيّة الفلسطينية.
في الإمكان تجاوز قضية خطف الجندي الإسرائيلي في غزّة مطلع الشهر الماضي. يمكن تجاوز القضيّة على الرغم من أنّها كلّفت الفلسطينيين الكثير حتى الآن خصوصاً أن الأوامر بتنفيذها جاءت من خارج ولم تأخذ في الحسبان النتائج التي يمكن أن تترتب على عمل كهذا.لقد بررت العملية خطف إسرائيل لعدد لا بأس به من أعضاء الحكومة والمجلس التشريعي الفلسطيني، ومنهم رئيس المجلس الذي ما عاد في استطاعته الردّ سوى بالقول إنه بريء وإنه منتخب، أي إنّه شرعي. المفارقة أن لا أحد في العالم على استعداد لتصديق ذلك وتوجيه ولو رسالة لوم الى سلطة الاحتلال الإسرائيلية التي ضربت عُرض الحائط بكل المواثيق والقوانين الدولية وتابعت ممارسة إرهاب الدولة في كلّ أنحاء غزّة وحتى في الضفّة الغربية متى شاءت ذلك.
ترتكب إسرائيل كلّ هذه الأعمال الإرهابية في الأراضي الفلسطينية فيما أنظار العالم مركّزة على لبنان وفيما يفعل الفلسطينيون كلّ ما يخدم الاحتلال وينفر العالم من قضيّتهم. والواقع أنّ ما تشهده غزّة هذه الأيّام مخيف بحيث بات في الأمكان التساؤل كيف يستطيع الفلسطينيون ارتكاب كلّ هذه الأخطاء في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن؟ خلال أيّام، خُطف صحافيان أجنبيان في غزة وأعلنت جهة غير معروفة مسؤوليتها عن العملية وطالبت بعد ذلك بإطلاق سجناء عرب في الولايات المتحدة. هل صارت غزة فجأة ساحة يسرح فيها تنظيم "القاعدة"؟ هل أفضل من عملية خطف الصحافيين العاملين في شركة "فوكس" الأميركية، أحدهما نيوزلندي والآخر أميركي، لتنفيذ رغبة إسرائيل في الربط بين القضية الفلسطينية والحرب العالمية على الإرهاب التي بدأت في الحادي عشر من أيلول 2001 وكان بين ضحاياها ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني؟
في اليوم الذي أعلنت الجهة غير المعروفة مسؤوليتها عن خطف الجنديين مثبتة أن لا سلطة فلسطينية في غزة بل فوضى السلاح، كان آلاف الفلسطينيين من أنصار "حزب التحرير" يتظاهرون في القطاع للمطالبة بالخلافة الإسلامية وألغاء كل الاتفاقات التي توصّل إليها الجانب الفلسطيني مع إسرائيل. هل ثمة دليل أكبر على مدى التدهور الذي تعرّض له الوضع في غزة بعد سنة على الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من القطاع؟ ربما كان هناك دليل أفضل على تدهور الوضع من ذلك الذي تقدّمه تظاهرة "حزب التحرير". أنّه العلاقة السائدة بين الرئاسة الفلسطينية والحكومة التي تسيطر عليها "حماس". تتصرّف "حماس" مع الرئاسة كما لو أنّها مسؤولة عن الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني رافضة في الوقت ذاته الاعتراف بمسؤوليتها أو مسؤولية "حماس" دمشق أو طهران عن العزلة التي يعانيها الجانب الفلسطيني. بلغت العزلة حدّاً لم يعد في العالم من يتحدّث عن قضيّة الشعب الفلسطيني إلاّ من الزاوية الإنسانية! لم تعد القضيّة، بفضل النجاحات التي حقّقتها "حماس" منذ تأليف حكومتها سوى قضية جائعين بدل أن تكون القضيّة قضيّة شعب رازح تحت الاحتلال يسعى الى تحقيق طموحاته الوطنية المشروعة. يا لها من مأساة بعدما تحوّل الشعب الفلسطيني وقوداً في لعبة التجاذبات الأقليمية التي لا مصلحة له فيها لا من قريب أو بعيد. هل في استطاعة وزير فلسطيني أو رئيس الوزراء الوقوف والقول أن كفى تعني كفى وأن الشعب الفلسطيني يرفض الاستمرار في أن يكون ضحية لعبة المتاجرة به؟ لن يتجرّأ إسماعيل هنيّة أو غيره في "حماس" على ذلك. كلّ ما في الأمر أن القضية الفلسطينية في تراجع مستمرّ. اليوم لبنان في الواجهة. غداً يعود العراق الى الصفحات الأولى إذا لم يسبقه إليها الملف النووي الإيراني. متى تعود فلسطين الى الاهتمام العالمي؟ الأكيد أن علينا الانتظار طويلاً ما دامت حكومة "حماس" عاجزة حتى عن العثور على صحافيين خطِفا في غزّة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00