8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل سيُسمح للبنان بالاستفادة من القرار 1701؟

يستطيع من لديه أدنى شك في أهمّية القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة قراءة نص القرار بتمعّن للتأكّد من أنّه قرار أستثنائي وجادّ ذو أبعاد أقليمية على الرغم من كلّ ما يتضمّنه من ثُغَر. في مقدّم هذه الثغر يأتي طبعا عدم الأشارة بوضوح الى ضرورة الأنسحاب الفوري لقوات الاحتلال الإسرائيلية من كلّ الأراضي اللبنانية وعدم وضع آليات لعملية تبادل الأسرى أو لكيفية انتشار القوة الدولية الى جانب الجيش اللبناني في المنطقة الممتدة من "الخط الأزرق" الى نهر الليطاني من دون الاصطدام بعناصر "حزب الله".
لعلّ أهم ما في القرار تشديده على ضرورة إحياء الدولة اللبنانية وأن تكون الدولة صاحبة القرار الأولّ والأخير على الأراضي اللبنانية. واستعان القرار في هذا المجال بقرار الحكومة اللبنانية القاضي بنشر الجيش في الجنوب وتأكيدها أن لبنان يرفض أن يكون ثمة سلاح غير سلاح الشرعية على أراضيه، كلّ أراضيه. وليس مصادفة أن يكون قرار مجلس الأمن عاد في استمرار الى اتفاق الطائف ليشدّد على ضرورة ألاّ تكون في لبنان ميليشيات مسلّحة حتى لو أحتمت هذه الميليشيات بغِطاء اسمه "المقاومة".
هل يستفيد لبنان من القرار الدولي؟ أو على الأصحّ هل سيُسمح للبنان بالأستفادة من القرار الدولي الذي يصبّ في نهاية المطاف في مصلحته من منطلق أنه قرار يسعى الى أن يكون لبنان بلداً حرّاً سيّداً مستقلاًّ بدل أن يكون مجرّد "ساحة" للصراعات الأقليمية؟ الجواب أن الكثير يعتمد على تصرّف اللبنانيين ووقوفهم صفّاً واحداً خلف حكومتهم. فلبنان قادر على تجاوز المرحلة الصعبة التي يمرّ فيها شرط توافر نية لدى جميع اللبنانيين في تفادي أخطاء الماضي. والأكيد أن الخطوة الأولى في هذا الأتجاه تقضي بالتخلّي عن الأوهام التي ظهرت لدى البعض خلال العدوان الأخير الذي كان كارثة على البلد الصغير وشعبه. من المعيب الكلام عن انتصارات بعد الكارثة التي حلّت بلبنان. الإنجاز الوحيد الذي تحقّق تمثّل في المحافظة على الوحدة اللبنانية واندفاع اللبنانيين الى مساعدة بعضهم بعضاً واضعين خلفهم الحسابات الضيقة والحساسيات التي لا مجال لها في ظروف معينة مثل ظرف العدوان الإسرائيلي والرغبة الواضحة لدى العدو في تدمير البنية التحتية للبلد.
لم يعد الآن في استطاعة أيّ طرف في البلد التذرّع بالمطامع الإسرئيلية للدعوة الى التمسك بسلاح خارج سلاح الشرعية اللبنانية، ذلك أن القرار واضح في ما يتعلّق بإقامة شبكة أمنية ترتكز على الجيش اللبناني المدعوم من القوّة الدولية لقطع الطريق على أي عدوان إسرائيلي. أكثر من ذلك لحظ القرار معالجة لقضية مزارع شبعا التي أتى على ذكرها مرّتين كما أتى في الوقت ذاته على ذكر النقاط السبع للحكومة اللبنانية التي يفترض أن يكون "حزب الله" موافقاً عليها بصفة كونه مشاركاً في الحكومة بوزيرين ونصف وزير.
في ضوء الموازين الدولية والإقليمية، وفي ضوء العدوان الإسرائيلي الشرس، وعلى الرغم من المقاومة الباسلة التي أظهرها مقاتلو "حزب الله"، لم يكن في الأمكان التوصّل الى أفضل من القرار 1701 الذي يعكس الى حدّ كبير واقعاً لا يمكن تجاهله إلاّ في حال شاء لبنان أن يستمرّ في ذبح نفسه كي يرسم "حزب الله" شارة النصر.
ليس صحيحاً أن المجتمع الدولي يريد أن يأخذ من لبنان بواسطة القرار 1701 ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه في عدوانها الأخير. على العكس من ذلك، هناك رغبة دولية في مساعدة لبنان ومنع شطبه من الخريطة كي يتمكّن النظام السوري الحاقد على كلّ ما هو حضاري من الانتقام من اللبنانيين وكي تتمكّن إيران من القول للعالم إنها تحارب إسرائيل حتى آخر لبناني وآخر بيت صامد في الجنوب والشمال والبقاع وبيروت... وكي تتذرّع إسرائيل بقضية صواريخ "حزب الله" للتهرب من طرح القضية الأساسية، قضية احتلالها للأرض العربية ورفضها الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ولكن من أجل أن يتمكّن المجتمع الدولي من مساعدة لبنان، على لبنان أن يساعد نفسه وأن يدرك أللبنانيون أنّ لا خيار آخر أمامهم غير الحكومة اللبنانية التي تصرّفت بحكمة طوال العدوان الأسرائيلي وتصدّت له بفعالية مستفيدة من الدعم العربي والدولي للبنان ومن الرغبة الدولية الواضحة في وضع حدّ للعدوان وعدم العودة الى الوضع الذي كان سائداً قبل الثاني عشر من الشهر الماضي عندما خطف "حزب الله" الجنديين الإسرائيليين من داخل الأراضي الأسرائيلية فاتحاً أبواب جهنّم على لبنان واللبنانيين.
مرّة أخرى هل سيُسمح للبنان من الاستفادة من القرار 1701 ؟ الأمر الوحيد الأكيد حتى الآن أن القرار جادّ الى حدّ أن العمليات العسكرية توقّفت في الساعة المقررة صباح الإثنين الماضي. وهو جادّ أيضاً لأن النقطة ما قبل الأخيرة فيه تشير الى أن لمجتمع الدولي بات يدرك أن لا بد من معالجة شاملة للوضع في الشرق الأوسط وقد تضمّنت تلك النقطة الآتي: "يشدّد (القرار) على أهمية التوصل الى سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط وعلى ضرورة تحقيق ذلك استناداً الى كلّ القرارات ذات الصلة، بما في ذلك القرار 242 الصادر في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 والقرار 338 الصادر في الثاني والعشرين من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1973".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00