لا يمكن تجاهل الأيجابيات التي تضمّنها الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" مساء الأربعاء الماضي، خصوصاً لجهة دعوة النازحين من الجنوب أو من غير الجنوب إلى احترام المحيط الذي يوجدون فيه وعدم رفع أعلام "حزب الله" حيث لا يجب رفعها ولا ضرورة لذلك.
أنّه أعتراف بالتعددية اللبنانية والتنوّع السياسي في لبنان. مثل هذا التنوع يسمح لأصوات شيعية بتوجيه انتقادات صريحة إلى "حزب الله" وقول ما يجب قوله في الحزب الذي استولى على قرار الحرب والسلم في البلد من دون أي أخذ في الاعتبار لمصالح لبنان واللبنانيين.
مثل هذا الأعتراف بالتنوّع اللبناني وبالتعددية يفرض على "حزب الله" إعادة النظر في سياساته، بدءاً بالتخلي عن هذه النظرة الفوقية إلى بقية اللبنانيين وإلى أجهزة الدولة اللبنانية، وخصوصاً الحكومة. فالحكومة هي التي تحمي "حزب الله" وليس العكس، وعلى الحزب السير على نهج الحكومة بدل العمل على عرقلة ما تقوم به على غير صعيد خصوصاً في الأمم المتحدة.
ولعلّ أكثر ما على "حزب الله" التنبّه إليه أنه كلما استطاعت الحكومة التوصل إلى وقف النار سريعاً كلّما كان ذلك في مصلحة لبنان. ولكن هل مصلحة لبنان همّ للحزب أم أن ما يهمّه تنفيذ ما يطلبه النظام الايراني ومساعدة النظام السوري على الانتقام من كلّ ما هو حضاري في لبنان؟
بصراحة كاملة، إنّ الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان. والدليل على ذلك أن إسرائيل تتابع عملية التدمير المبرمجة للبنية التحتية اللبنانية فيما العالم يتفرّج عليها. والخوف كلّ الخوف أن تصبح الحرب التي تشنّها أسرائيل على لبنان حرباً منسية على غرار الحرب التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني. ومصدر هذا الخوف أن التركيز العالمي انتقل فجأة قبل أيّام إلى العملية الأرهابية التي أحبطتها السلطات البريطانية والتي استهدفت تفجير نحو عشر طائرات فوق المحيط الأطلسي. للمرة الأولى منذ الثاني عشر من تمّوز ـ يوليو الماضي، غاب لبنان عن صدارة الانباء في الصحف ومحطات التلفزيون العالمية. ويخشى أن تصير حربه حرباً أخرى منسيّة كما حرب اسرائيل على الشعب الفلسطيني والحرب الأهلية الدائرة في العراق بين المتطرفين من هذا المذهب أو ذاك.
أحسن الأمين العام لـ"حزب الله" عندما أخذ الحساسيات اللبنانية في الأعتبار، لكن خطابه الطويل تضمن نقصاً أساسياً. يتمثّل هذا النقص في استمرار الرغبة في المواجهة من جهة، وعدم الرغبة في مساعدة الحكومة اللبنانية من جهة أخرى. إن الرغبة في المواجهة حتى آخر لبناني تدلّ على أن أجندة الحزب غير لبنانية، ذلك أن ليس طبيعياً ألاّ يسعى حزب لبناني إلى وقف للنار، أو على الأصح إلى المساعدة في التوصّل إلى وقف للنار يأخذ في الاعتبار موازين القوى على الأرض على الرغم من إدراكه أنّه كلّما مر يوم تتراكم الخسائر التي تلحق بالبلد والمواطنين.
بالطبع، ليس مطلوباً في أيّ شكل أن يتخلّى لبنان عن حبة من ترابه، ولكن هل تساءل "حزب الله" عن كلفة المواجهة واستمرارها، وهي كلفة تضاف إلى ما تحمّله لبنان في السنوات الأخيرة في ضوء أصرار الحزب على الاحتفاظ بسلاحه على الرغم من انسحاب إسرائيل من الشريط المحتلّ؟
أمّا بالنسبة إلى مساعدة الحكومة، فالأكيد أن الإعلان عن الموافقة على نشر الجيش في الجنوب لا يقدّم ولا يؤخر. إن الموضوع المطروح يتجاوز مسألة انتشار الجيش إلى ما هو أهم من ذلك بكثير. وبكلام أوضح، على السيّد حسن نصر الله إيضاح ما إذا كان الجيش في الجنوب سيكون الطرف الوحيد الذي يمتلك حق أمتلاك السلاح على الأرض اللبنانية. في غياب مثل هذا الأيضاح، لا قيمة تذكر للإعلان عن القبول بانتشار الجيش الذي سيتحوّل عندئذ إلى شرطي سير يراقب تحرّكات عناصر"حزب الله" في الجنوب. كذلك لا قيمة لأي رغبة في دعم الحكومة اللبنانية والنقاط السبع التي أقرّتها من دون موقف واضح من السلاح الحزبي، ذلك أنّ في أساس هذه النقاط أن تكون الدولة اللبنانية بقوّاتها النظامية الطرف الوحيد الذي يحق له حمل السلاح واتخاذ قرار الحرب والسلم تالياً.
ما يفترض أن يكون مفهوماً لدى الجميع، بما في ذلك "حزب الله" أن إسرائيل تدمّر لبنان والعالم يتفرّج. أليس مستغرباً ألاّ يكون مجلس الأمن امتنع حتى الآن، أي بعد مرور شهر كامل على بدء العدوان الاسرائيلي عن أصدار نداء، نعم مجرّد نداء، يدعو إلى وقف النار؟إنّ لمثل هذا الموقف الدولي معنى واحداً يتلخّص في أنّ العالم يرفض العودة إلى الوضع الذي كان سائداً في لبنان قبل الثاني عشر من الشهر الماضي. إنّه قرار دولي تنفّذه أسرائيل بوحشية لا مثيل لها فيما في لبنان من لا يزال يتحدّث عن انتصارات.
مرّة أخرى، إن الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.