8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

كيف سيخرج لبنان من الحرب؟

بعد أيّام، يمر شهر على بدء العدوان الأسرائيلي على لبنان. أنه عدوان لا سابق له تتعرّض له دولة عربية.
لا سابق له لسبب في غاية البساطة يتمثّل في أن الوضع الذي كان سائداً في لبنان قبل العدوان لا مثيل له في العالم. هناك حكومة شرعية في لبنان وهناك "مقاومة" ممثلة في الحكومة، لكنّها ترفض في الوقت ذاته التخلّي عن قرار الحرب والسلم في البلد وتسليمه إلى المرجع اللبناني المختصّ. والمحزن في الموضوع أن لـ"المقاومة" التي أحتكرها "حزب الله" أجندة خاصة بها لا تتفق بالضرورة مع ما تريده الحكومة أو تسعى إلى تحقيقه. إنّه وضع شاذ عانى منه لبنان طويلاً، خصوصاً منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في أيّار ـ مايو من العام 2000 وإعلان مجلس الأمن أنه يعتبر أنّها نفّذت القرار 425 الصادر عن المجلس في العام 1978.
على الرغم من تعقيدات الوضع اللبناني، لا بدّ من التفكير جدّياً في طريقة للخروج من المأزق الذي أُدخل فيه البلد. ولا بدّ من الاعتراف في الوقت ذاته أن لبنان قد لا يخرج سليماً من التجربة المريرة التي يمرّ فيها، بعدما تبيّن أن هناك قوى أقليمية مصرّة على أستخدامه "ساحة" لصراعاتها مع الولايات المتّحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم، ومع حلفائها الأوروبيين. ولعلّ جديد ما يشهده لبنان في هذه الأيام إعلان إيران صراحة أنها تعتبره ورقة من أوراقها الأقليمية وأنها مستعدة لمساومات على حسابه. لو لم يكن الأمر كذلك، لما جاء وزير الخارجية الأيراني منوشهر متّكي إلى بيروت ليعلن أنّ بلاده ترفض النقاط السبع التي قدّمتها الحكومة اللبنانية إلى العالم من أجل إنهاء الأزمة والتوصلّ إلى وقف لإطلاق النار أوّلاً.
كان ملفتاً أنه سبق لـ"حزب الله" أن وافق على النقاط السبع التي تشمل بين ما تشمل تلبية المطالب الدولية القاضية ببسط سلطة الدولة اللبنانية وسيادتها على كلّ الأراضي اللبنانية، على أن تتولّى قوة دولية جديدة معاونتها في ذلك عبر دعمها للجيش اللبناني. من حق لبنان بسط سلطته على كلّ أراضيه. هل هناك دولة في العالم تقبل أن تكون في أراضيها جزر أمنية؟ هل يمكن لدولة أن تقبل بميليشيا مسلّحة تمتلك آلاف الصواريخ تجرّها إلى الحرب ساعة تشاء؟
كان قبول النقاط السبع الطريق الأقصر لوضع حدّ للعدوان الوحشي الذي تنفّذه اسرائيل في حقّ لبنان بضوء أخضر دولي وفّره لها "حزب الله" الذي لا بدّ من التذكير بأنه خطف جنديين اسرائيليين في الثاني عشر من تمّوز الماضي من داخل الأراضي الاسرائيلية في منطقة غير متنازع عليها مع لبنان. كان الهدف من العملية واضحاً. لقد أُسر الجنديين من أجل اظهار أن الحزب قادر على فتح جبهة جديدة مع إسرائيل إلى جانب جبهة غزّة.
هل صدفة أن العملية حصلت بعد أربع وعشرين ساعة من ظهور السيّد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" في دمشق وإعلانه في مؤتمر صحافي شروطاً معيّنة لإطلاق الجندي الاسرائيلي الذي أسرته "حماس" في القطاع مؤكّداً أن القرار القاضي بخطف الجندي وإطلاقه مرتبط بـ"حماس" الخارج، أي "حماس" طهران ودمشق وليس بالحكومة الفلسطينية التي هي في النهاية حكومة "حماس"؟ هل صدفة أن الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله أصرّ بدوره على عقد مؤتمر صحافي في بيروت بعد ساعات من خطف الجنديين الاسرائيليين للإعلان بطريقة غير مباشرة أن هناك ربطاً بين ما يجري في جنوب لبنان وما يجري في غزّة؟
كان لا مفرّ من العودة قليلاً إلى خلف واسترجاع الظروف التي رافقت خطف الجنديين لفهم طبيعة الزيارة التي قام بها الوزير الايراني لبيروت والمهمة التي سعى إلى تحقيقها. ما أراد الوزير الايراني قوله، عندما تحفّظ عن النقاط السبع التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية بالأجماع ودخلت في مفاوضات مع العالم على أساسها، هو إن ايران تعتبر نفسها اللاعب الأساسي في لبنان كما في فلسطين، وإن "حزب الله" بوزيريه اللبنانيين ليس سوى تنظيم إيراني وإنّه لا يحق له التصرّف على هواه خارج ما تقرّره له مرجعيّته. ومن هذا المنطلق كان الزعيم الوطني اللبناني وليد جنبلاط على حق عندما تساءل غير مرة: لمن يريد السيّد نصرالله اهداء أنتصار "حزب الله" في المواجهة مع اسرائيل؟ هل سيهديه إلى لبنان، إلى الدولة اللبنانية أم سيهديه إلى الخارج، أي للنظامين السوري والايراني؟
تصرّفت فرنسا من منطلق العارف بالوضع السائد في لبنان وبمن يتحكّم به. ولذلك أرسلت وزير خارجيتها فيليب دوست ـ بلازي إلى بيروت للتفاوض مع وزير الخارجية الايراني. لم تكن المفاوضات مثمرة، خصوصاً أن الوزير الايراني أصرّ على موقفه من النقاط السبع، لكن ما يمكن قوله إن الخطوة الفرنسية كانت أكثر من جيدة كونها ساهمت في توضيح صورة ما يجري في لبنان وتحديد من هم اللاعبون الأساسيون في "الساحة" اللبنانية.
ولم يخف مسؤول فرنسي كبير سئل عن سبب توجه وزير الخارجية إلى بيروت للقاء الوزير الإيراني بدل الذهاب إلى دمشق أن بلاده تعتبر ايران "الشركة الأم" في حين أن سوريا ليست سوى "فرع" للشركة أو أحد "الوكلاء المعتمدين" لديها.
يدفع لبنان غالياً ثمن الوحشية الاسرائيلية من جهة والعراقيل التي يضعها هذا الطرف الخارجي أو ذاك في طريق ايجاد مخرج من الوضع الراهن الذي كلّف البلد الكثير والذي قد يكلّفه مستقبلاً وحدته. وفي حال يستحيل في الظروف الراهنة التكهّن بكيفية خروج لبنان من الحرب التي تشنّ عليه، هناك شيء وحيد أكيد هو أن الوضع الذي كان سائداً قبل الثاني عشر من تموز الماضي سيتغيّر. لن يكون في قدرة "حزب الله" الإستمرار في لعب الدور الذي كان يلعبه.
وبكلام أوضح، أن إخراج الحزب من المعادلة العسكرية وليس من المعادلة السياسية ليس طلباً اسرائيلياً فحسب، بل أنّه طلب دولي أيضاً. المهم الثمن الذي سيدفعه لبنان، كما المهم سؤال آخر هل تتوسّع الحرب التي تشنّها اسرائيل لتطال سوريا أيضا؟ أن اللعبة التي يمارسها النظام السوري في غاية الخطورة. صحيح أنه حقّق هدفاً عزيزاً جدّاً عليه يتمثّل في تدمير لبنان، لكن الصحيح أيضاً أن استمرار العمليات العسكرية لفترة أطول تعرّضه لمخاطر كبيرة، خصوصاً في حال اكتشف الجنرالات الاسرائيليون ومن يقف خلفهم أن جذور المشكلة ليست في لبنان ولا تحلّ في لبنان، بدليل تصرفات وزير الخارجية الايراني الذي كاد أن يقول إن مفتاح الحلّ لديه وإن اسثمار بلده في "حزب الله" عبر الأسلحة والمساعدات التي كانت ترسل عبر سوريا إستثمار في محلّه!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00