الى متى تستمرّ الحرب الإسرائيلية على لبنان؟ يبدو واضحاً في ضوء المعارك الأخيرة التي خاضها مقاتلو "حزب الله" وواجهوا فيها القوات الغازية أن الحرب يمكن أن تستمرّ طويلاً. لن يكون سهلاً على إسرائيل تحقيق أهدافها وفرض حلّ من جانب واحد. ولذلك تلجأ الى السلاح الوحيد الذي تمتلكه وهو سلاح التدمير غير آبهة بما يلحق بالأبرياء وحتى بالنساء والأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم موجودون في لبنان.
يفترض في المأساة التي يمرّ فيها لبنان ألاّ تغيّب شعاع الأمل. الأمل بإمكان التوصلّ الى مخرج من الوضع الراهن. وذلك لا يمكن أن يكون ألاّ عن طريق الالتفاف حول الحكومة ودعمها وتفادي المهاترات الداخلية. هذا ليس وقت المهاترات والمزايدات بمقدار ما أنّه وقت التضامن والوحدة اللبنانية. وما قد يكون أهمّ من ذلك العمل على إعطاء معنى عملي لمفهوم الوحدة الوطنية. وبكلام أوضح لا بدّ من البحث عن مخرج يأخذ في الاعتبار موازين القوى في المنطقة وفي العالم من جهة، ومصلحة لبنان من جهة أخرى. هل يمكن الحديث عن مصلحة للبنان في استمرار الوضع على ما هو عليه، أي أن يظلّ لبنان مجرّد "ساحة" لتصفية الحسابات بين هذه القوة الاقليمية أو تلك، أو بين هذه القوّة الاقليمية المحدّدة والإدارة الأميركية؟ كيف يمكن لـ"حزب الله" أن يسمح للنظام السوري الساعي باستغلال حرب العدو الإسرائيلي على لبنان واللبنانيين وتدمير لبنان من أجل عقد صفقة مع الإدارة الأميركية على غرار الصفقة التي عقدها في العام 1990 حين انضم الى القوات الأميركية التي حرّرت الكويت من الاحتلال العراقي؟ لا عيب في الخيار الذي اعتمده وقتذاك الرئيس الراحل حافظ الأسد، على العكس من ذلك تستطيع سوريا الافتخار بانضمامها الى قوات التحالف الدولي وعلى رأسها القوات الأميركية في معركة تحرير الكويت. لكنّ العيب يكمن في تناسي النظام السوري حقيقة أنّه أستطاع إحكام سيطرته على لبنان بضوء أخضر أميركي في مقابل انضمامه الى التحالف الدولي الذي أخرج الاحتلال العراقي من الكويت.
يسعى النظام السوري حالياً الى العودة الى لبنان عسكرياً عن طريق غير الطريق الأميركي، أقلّه ظاهراً، مستخدماً حرب "حزب الله" مع العدو الإسرائيلي. وليس سرّاً أن المسؤولين السوريين تنافسوا عشية مؤتمر روما على تقديم سلسلة من العروض الى الإدارة الأميركية محورها لبنان وكيفية احتواء الوضع فيه. تجاهل المسؤولون السوريون أن واشنطن باتت تعي طبيعة العلاقة الجديدة التي صارت تربط دمشق بطهران، وهي علاقة بين صاحب القرار والتابع. يفرض هذا الواقع على اللبنانيين أن يكونوا واعين لما يدور على أرضهم وأن تصبّ التضحيات التي يقدّمها البلد وأبناؤه في خدمة أهله وليس في خدمة هذه القوّة الاقليمية أو تلك، لا في خدمة النظام السوري ولا في خدمة النظام الإيراني ولا في خدمة الأميركيين أو الفرنسيين أو البريطانيين.
ربما تكمن مشكلة "حزب الله" في أنّه لا يمتلك ناصية القرار، هو الذي سعى دائماً الى تغطية التصرّفات السورية في لبنان في عهد الوصاية وفي مرحلة ما بعد زوال هذا العهد. لم يتورّع الحزب عن تغطية التصرفات الشاذة لشخص اسمه أميل لحّود يصر على البقاء في موقع الرئاسة بإرادة سورية ليس ألاّ.
في كلّ الأحوال، ليس في الإمكان تجاهل أن هناك من يقاوم بغض النظر عن الظروف التي أدت الى شنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان وتوفير غطاء دولي لها. هناك الآن وضع جديد في لبنان. في الإمكان تلخيص هذا الوضع بنقطتين تحظيان بإجماع دولي على الرغم من كلّ ما يقال عن خلافات بين الجهات الدولية المختلفة، خصوصاً بين الأميركيين والأوروبيين. النقطة الأولى أن لا عودة الى الوضع الغامض الذي كان سائداً قبل الثاني عشر من تمّوز ـ يوليو الجاري ، تاريخ أسر "حزب الله" الجنديين الإسرائيليين في منطقة غير متنازع عليها بين البلدين. أما النقطة الثانية فإنّها متعلّقة بنشر قوة دولية ذات انتداب مختلف عن تلك الموجودة حالياً في جنوب لبنان. مثل هذه القوّة تستطيع المحافظة على الأمن في المنطقة وأن تدخل في إطار ترتيبات أمنية تكرّس الاستقرار في الجنوب المحرر على غرار ما هو حاصل في هضبة الجولان المحتلّة. هاتان النقطتان في أساس المعادلة الجديدة في لبنان وهما في مصلحته. هل في استطاعة "حزب الله" القبول بهما تمهيداً لفتح صفحة جديدة؟ في حال عدم قبوله فإن، أقلّ ما يمكن قوله إن لبنان في مأزق كبير وإن مصير البلد على المحكّ لا أكثر ولا أقلّ. هكذا بكل بساطة إن مصير البلد على المحكّ. على الحزب الإجابة عن سؤال في غاية البساطة: هل مستقبل البلد يهمه؟ هل بقاء البلد يهمّه؟ مصير لبنان على المحكّ... تلك هي المسألة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.