متى اقتنع "حزب الله" بأن التنازل للدولة اللبنانية بطولة، يسهل عليه اتخاذ قرار جريء بتسليم الاسيرين الاسرائيليين الى الحكومة اللبنانية تمهيداً للتوصلّ الى وقف لاطلاق النار يبدو لبنان في اشدّ الحاجة اليه. في النهاية لا يمكن اعتبار التنازل للدولة اللبنانية تنازلاً بمقدار ما انّه خدمة تؤدى للبنان واللبنانيين في ضوا الخسائر التي حلّت بالبلد الذي صار "منكوباً" على حدّ تعبير رئيس مجلس الوزراء السيّد فؤاد السنيورة.
في النهاية ايضاً، يفترض في "حزب الله" ادراك ان لبنان امام خيارين لا ثالث لهما. اما تستمرّ الحرب عليه، وهي اتّخذت شكل عدوان همجي مكشوف يلقى للأسف غطاء دولياً... واما يقبل الشروط الدولية التي بات متعارفاً عليها لوقف النار تمهيداً للتوصل الى ترتيبات جديدة في الجنوب اللبناني تختلف كلّياً عن تلك التي كان معمولاً بها قبل الثاني عشر من الشهر الجاري تاريخ عملية اسر الجنديين الاسرائيليين على يد عناصر من "حزب الله".
كلّما سارع "حزب الله" في اتخاذ خطوة شجاعة تقضي بتسليم الاسيرين الى الحكومة اللبنانية، كلّما عجّل في وضع حدّ للمحنة التي دخل فيها لبنان، علماً بأن السؤال الاساسي المطروح يظل هل يمتلك الحزب حرية اتخاذ مثل هذا القرار؟ ام انّ القرار يعود الى طهران والى دمشق الى حد ما؟ اليس الشعور بأنّ الحزب مقيّد اقليمياً هو الذي دفع مسؤولي النظام السوري الى ابداء استعدادهم المفاجئ للدخول في مفاوضات مع الادارة الاميركية وكأنهم يريدون القول بصوت واحد ان "حزب الله" لا يعمل سوى لمصلحة دمشق. اكثر من ذلك، بدت الاستعدادات السورية للدخول في حوار مع الاميركيين اقرب ما تكون الى رسالة فحواها انّه اذا كان هناك من يمكنه قطف ثمار اسر الجنديين، فانّ الجهة المؤهلة لذلك هي النظام السوري أوّلاً. هذا النظام الذي لديه حسابات يريد تصفيتها مع لبنان واللبنانيين والذي لا يزال يرفض تصديق انّه خرج عسكرياً من لبنان.
ما يفوت "حزب الله" انّ اسرائيل مهتمة قبل كلّ شيء بالانتقام من لبنان واللبنانيين والقضاء على المحاولة الجدية الوحيدة التي جرت في السنوات الثلاثين الاخيرة لاعادة لبنان الى خريطة المنطقة والعالم. حصل ذلك بفضل مشروع الانماء والاعمار الذي نفّذه الرئيس الشهيد رفيق الحريري. والمؤسف ان "حزب الله" بخطفه الجنديين من داخل الاراضي الاسرائيلية في منطقة غير متنازع عليها، وفّر لها الفرصة لتنفيذ عملية الانتقام التي كانت تعدّ لها منذ فترة طويلة.
بمنتهى الصراحة، لعب "حزب الله" دوراً كان عليه ان يفكّر طويلاً قبل قبوله به. وهذا ما يطرح مجدّداً السؤال الذي سبق طرحه عن مدى هامش الحرية الذي يتمتع به الحزب تجاه المحور الايراني ـ السوري الذي يبدو مصرّاً على استخدام لبنان "ساحة" في لعبة التجاذبات الاقليمية والدولية من دون اي اخذ في الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين.
على الرغم من كلّ ما حصل، وضع اللبنانيون قضية اسر الجنديين والظروف التي رافقتها خلفهم، ووقفوا صفّاً واحداً في مواجهة العدوان الاسرائيلي. لقد اظهر الشعب اللبناني بكل مكوّناته انّه مصمم على مواجهة العدوان الاسرائيلي وانّه يدرك ان اسرائيل عدوّ بكلّ معنى الكلمة. من هذا المنطلق، من حقّ اللبنانيين مطالبة "حزب الله" بالتوقف عن العبث بلبنان. ومن حق اللبنانيين ايضاً السعي الى اقناع "حزب الله" بأن من مصلحته قبول الطرح الدولي الذي يصرّ على رفض العودة الى الوضع الذي كان سائداً في جنوب لبنان قبل الثاني عشر من الشهر الجاري. تلك مرحلة انتهت، وكلّما كان هناك التفاف حول الحكومة اللبنانية، سهل عليها التوصلّ الى وقف للنار بشروط افضل للبنان واللبنانيين. المهم بالنسبة الى المجتمع الدولي الذي لا يريد ترك اسرائيل تدمر لبنان، ان يسود الهدوء جنوب لبنان وان ينتشر الجيش اللبناني في المنطقة وان يلقى دعماً من قوة دولية. اين العيب في ذلك،اين العيب في مساعدة المجتمع الدولي في منع اسرائيل من تنفيذ مخططاتها في لبنان؟ هل الوطنية ان يصل لبنان الى وضع يعرض فيه النظام السوري خدماته على الادارة الاميركية بحجة انه يسعى الى انقاذ البلد "الشقيق" وانّه قادر على تهدئة الاوضاع فيه وتحقيق تسوية؟ هل الوطنية في ان تكون جبهة الجنوب مفتوحة على كلّ الاحتمالات فيما ينتشر المراقبون الدوليون في الجولان المحتل داخل الاراضي السورية وليس على الحدود الدولية المفترضة بين البلدين؟ آن أوان القول لـ"حزب الله" انه يستطيع ايضاً تقديم خدمة الى لبنان بعدما قدّم ما فيه الكفاية للنظامين في سوريا وايران.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.