8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حيوية الكويت... الانتخابات شهادة أخرى

كانت الانتخابات الكويتية شهادة أخرى على الحيوية السياسية التي يتمتّع بها هذا البلد وعلى عمق التجربة الديموقراطية فيه. أرتدت تلك الانتخابات، وهي الأولى في عهد الأمير الجديد الشيخ صُباح الأحمد، طابع الانتخابات التأسيسية لسبب واحد على الأقل يتمثل في مشاركة المرأة فيها انتخاباً وترشيحاً للمرة الأولى في تاريخ الكويت. وإذا كان لا بد من قول كلمة حقّ في هذا المجال، لا مفرّ من الاعتراف بأن أصرار الشيخ صباح على إعطاء المرأة حقوقها السياسية الكاملة كان العامل الحاسم في تمكينها من دخول المعترك السياسي من أوسع أبوابه.
بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة في الانتخابات، لا شكّ أن الكويتيين تعلّموا الكثير من التجربة الانتخابية الأخيرة، ومن لم يتعلّم اليوم فسيتعلّم غدا. سيتعلّم معنى أن يكون البلد قادراً على التمتع بالتجربة الديموقراطية من جهة والمحافظة على روح الانفتاح على كلّ ما هو عصري من جهة أخرى وذلك بدل أن تكون الديموقراطية وسيلة للغرق في رمال متحركة تعوق الإقدام على مزيد من الخطوات الإصلاحية الحقيقية. وهنا لا بد من التوقف عند ظاهرة مهمة جدا ارادها اصحابها تعبيرا ضد السلطة فيما هي في الواقع لمصلحة السلطة. نقصد هنا الفوز الذي حققه نواب معارضون وحاول بعضهم القول انه "الرد على الحكومة" فيما الحقيقة الاكيدة ان فوز هؤلاء يحسب للتجربة الكويتية الفريدة التي سمحت لهم بالتحرك كيفما يشاؤون وقول ما يشاؤون. ويكفي القول ان سيارة شرطة واحدة لم تُرصد امام اي مقر انتخابي يتبارى اركانه في الانتقاد والصراخ وحتى الشتم، ويكفي اكثر ان الامير الشيخ صباح الاحمد كان اول من هنأ هؤلاء النواب بفوزهم متمنيا تعاونا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
صمدت الكويت في وجه كلّ المصاعب التي تعرّضت لها عبر تاريخها القصير أي منذ الأستقلال. والأهم من ذلك كلّه أن هناك إرادة قوية لدى الأمير الجديد في التعويض عن فترة الجمود السابقة التي جعلت الكويت تراوح مكانها في وقت كان عدد لا بأس به من الدول القريبة منها يحقق خطوات كبيرة الى امام أكان ذلك في مجال الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية أو تلك ذات الطابع الاجتماعي.
أثّر الجو السائد في المنطقة في الكويت التي كانت في الماضي الدولة المؤثّرة في الجو السائد لدى الآخرين. وهذا أمر لا بد من الاعتراف به. وفي إطار استعادة المبادرة، جاء قانون عصري للصحافة والإعلام بمثابة تأكيد لوجود اصرار على عدم العودة الى خلف. وجاء قانون إعطاء المرأة حقوقها السياسية ليكرّس هذا التوجه. وجاءت جملة التشريعات الانفتاحية الاقتصادية. وجاءت زيارات الشيخ صباح الاحمد عندما كان رئيسا للحكومة او اميرا الى الدول المتقدمة اقتصاديا في آسيا للاستفادة من تجاربها وتوقيع جملة اتفاقات تعاون. والسؤال الآن هل في استطاعة الكويتيين دعم التوجه العصري والحضاري لدى الأمير الجديد؟
مارست المرأة حقوقها السياسية ترشّحاً واقتراعاً، لكنّ ذلك لم يكن كافياً لإدخال روح جديدة الى مجلس الأمة، روح تعكس وجود فهم مختلف للأوضاع التي تسود البلد والمنطقة وتؤكّد أن الكويتيين تعلّموا من تجارب الماضي خصوصاً من تجربة الاحتلال العراقي. من حسن الحظ أن ثمة في البلد من يفكّر في المستقبل وفي أن ليس في الإمكان ترك الأمور سائبة لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا أجتماعياً. المهم أن الأُسس لكويت حديثة توضع حالياً وأن لا مجال للغرق مجدداً في حوارات عقيمة لا تقدّم ولا تؤخر وفي جدل لا طائل منه. هناك تجربة جديدة في الكويت يفترض في المجلس الجديد أن يكون في مستوى هذه التجربة وليس دونها خصوصا لانه مجلس قوي يضم مجموعات إصلاحية متجانسة. أما بالنسبة إلى النساء الكويتيات، فهنّ سيكتشفن عاجلاً أم آجلاً أن هناك واجبات واضحة تترتب على الممارسة الديموقراطية. في مقدّم هذه الواجبات الصدق مع النفس. والسؤال الذي يُطرَح في طبيعة الحال كيف يمكن لبعض الكويتيات التصويت لمرشحين كانوا في الأصل ضدّ إعطاء المرأة حق التصويت؟
من حسنات الكويت، أن في الإمكان دوماً تصحيح الأخطاء من دون عقد ومن دون الوقوع في أسر الماضي وما فيه من سلبيات. على نقيض ذلك، ثمة رغبة واضحة في استعادة الجانب المضيء من الماضي بكل ما فيه من إيجابيات، هذا الجانب الذي جعل الكويت متقدمة في كلّ المجالات المرتبطة بالديموقراطية والانفتاح على العالم المتحضر مع ما يعنيه ذلك من تطور على كل الصعد بدءاً بالصحافة والإعلام عموماً وانتهاء بالاقتصاد مروراً بكل ما هو اجتماعي.
هل يكون المجلس الجديد عاملاً مساهماً في عملية التطور والتقدم والانفتاح التي هي جزء لا يتجزّأ من الكويت ومن روح الحياة الكويتية؟ ذلك هو التحدي الأكبر أمام هذا المجلس الذي يفترض في أعضائه أن يدركوا في كلّ الأحوال والظروف أن لا عودة إلى خلف وأن القوى الرجعية ستجد دوماً من يتصدّى لها ولو كان صياحها باسم الديموقراطية والمحافظة على الديموقراطية والتباكي عليها!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00