هذه ليست طريقة لمعالجة الوضع في العراق. ما أعلنته الحكومة العراقية أخيراً بلسان مستشار الأمن القومي السيد موفق الربيعي عن ضرورة أن تسلمها "دول الجوار" واحداً وأربعين مطلوباً بتهمة الضلوع في أعمال أرهابية، يشير الى حال أفلاس لا أكثر ولا أقلّ. ذلك لا يعني أن اللائحة لا تضم بعض السفلة المتورطين في الإرهاب أو في التحريض على الإرهاب من عراقيين وغير عراقيين يتحدّثون عن "مقاومة" تمارس عملياً الإرهاب، لكنّ تضمين اللائحة اسمي زوجة الرئيس العراقي ساجدة وابنته رغد يشير الى أن الحكومة العراقية في ورطة حقيقية تجعلها غيرقادرة على مواجهة الحقائق بما في ذلك معالجة الأسباب التي تجعل أرض العراق مسرحاً لكل أنواع الارهاب.
قبل كلّ شيء، أنّ أدراج اسمي ساجدة ورغد في القائمة يعكس الى حدّ كبير غياب الجدية لدى مسؤولي الأمن في الحكومة العراقية. فمن يعرف القليل عن ساجدة أو رغد يدرك جيّداً أنّهما ليستا سوى أمرأتين أقل من عاديتين عديمتي الذكاء والمعرفة. كيف يمكن لإمرأة مثل ساجدة دفعت في اتجاه تزويج ابنتيها رغد ورنا من مجرمين أمّيين مثل حسين كامل حسن المجيد وشقيقه صدّام نكاية بآخرين في العائلة أن تموّل شبكات ارهابية وتديرها. من يعرف ساجدة، يعرف جيّداً أن ثقافتها محدودة جدّاً وأن الأموال التي كانت في حوزتها، بما في ذلك معظم مجوهراتها، صودرت منها قبل السماح لها بمغادرة العراق... الى سوريا، ثم الى دولة خليجية امتلك أهلها ما يكفي من الشهامة لإيواء نساء المسؤولين العراقيين السابقين لأسباب محض انسانية.
أمّا بالنسبة الى رغد، أرملة حسين كامل الذي أصرّ والدها على تصفيته بعد خيانته له، فهي امرأة تبدو ظاهراً قوية لكنّها في الواقع في منتهى السطحية همها الأوّل والأخير المظاهر الخارجية. ويقول الذين أحتكّوا بها وعرفوها عن كثب أنّه لا يمكن أن تكون على علاقة بما يدور داخل العراق أو بشبكات ارهابية نظراً الى أنّها مقيمة في معظم الأحيان في الأردن الذي يبذل كلّ ما يستطيع من أجل التصدّي للتكفيريين. وليس سرّاً أن الأمن الأردني لعب دوراً أساسياً في كشف مكان وجود الإرهابي "أبو مصعب الزرقاوي" الذي استطاع الأميركيون تصفيته من الجوّ. وقد لعب الزرقاوي، وهو مواطن أردني، دوراً كبيراً في أثارة النعرات المذهبية في العراق وكان وراء الكثير من العمليات الإنتحارية بما في ذلك تلك التي استهدفت أبرياء في ثلاثة من فنادق عمّان في تشرين الثاني الماضي. هل يعقل أن يؤوي الأردن المعروف بفعالية أجهزته الأمنية شخصاً يشجع على الأرهاب في العراق وفي أراضيه؟
يُفقد ادراج اسمي ساجدة ورغد في القائمة الكثير من جدّيتها. ويطرح ذلك سؤالاً في غاية البساطة: هل المطلوب مكافحة الإرهاب فعلاً أم أن الهدف من القائمة تصفية الحسابات مع دول عربية محدّدة؟ أي هل وراء القائمة أسباب سياسية لا علاقة لها بالأمن العراقي، بمقدار ما أنّ لها علاقة بالعلاقات مع هذه الدولة أو تلك؟
على من يريد مكافحة الإرهاب في العراق النظر الى الأمور من زاويتين على الأقلّ. هناك أوّلاً ارهاب يقف خلفه تكفيريون سنّة من جماعة "القاعدة" وما شابهها، وبين هؤلاء عراقيون وعرب يدخلون الى الأراضي العراقية من سوريا في معظم الأحيان، وهناك ثانياً ارهاب مماثل تمارسه ميليشيات تابعة لأحزاب شيعية يساهم الى حدّ كبير في تأجيج المشاعر واثارة الغرائز. ولعلّ أخطر ما في الإرهاب الذي تمارسه ميليشيات شيعية تقتل وتخطف وتستهدف أساتذة جامعات وعلماء ورجال دين وضبّاطاً سابقين خصوصاً طيارين في سلاح الجو خدموا في الحرب مع إيران، أنها تحظى بتغطية بعض الوزارات والأجهزة الرسمية بما في ذلك الشرطة.
تبدو ساجدة منشغلة هذه الأيام بكيفية تكوين ثروة مجدداً أكثر من أيّ شيء آخر، في حين أن رغد التي تصرف وقتاً لا بأس به في التمارين الرياضية، مهتمة بالمحافظة على قوامها الرشيق أكثر بكثير من اهتمامها بالوضع الداخلي في العراق. لا عيب في ما تفعله، على العكس من ذلك، لا يمكن ألاّ تفهّم وضع امرأة خان زوجها والدها، فما كان من الوالد الاّ أن انتقم من أب أولادها! أنّها لا تريد تصديق ذلك وتريد الإحتفاظ بروايتها للأحداث التي تقول ان لا علاقة لصدّام بتصفية حسين كامل مع عدد لا بأس به من أفراد عائلته! هل يمكن لإمرأة تعيش أزمة نفسية من هذا النوع أن تكون على علاقة مباشرة بالإرهاب في العراق؟
بعض الجدّية ضروري أكثر من أي وقت في حال كان مطلوباً تصديق الحكومة العراقية التي يفترض أن تكون حكومة كلّ العراق أوّلاً وأن تكون قادرة على بناء رصيد لدى الشعب العراقي ولدى دول الجوار ثانياً... وبداية الجدية تكون بالاعتراف بأن لا فارق بين ارهاب وارهاب وأن الأنحياز الى أي طرف من أطراف الحرب الأهلية الدائرة في العراق مساهمة في دعم الإرهاب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.