8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل همّ إسرائيل الجندي الأسير أم مشروعها الاستعماري؟

ليس طبيعياً هذا الصمت العالمي عن الجريمة التي ترتكبها إسرائيل في حق أهل قطاع غزة. إنّ العقاب الذي يتعرّض له شعب بكامله، ظلم بكلّ ما في كلمة ظلم من معنى، ذلك أنه يفترض أن تكون فكرة العقاب الجماعي زالت من عالمنا وأن يتحرّك مجلس الامن تلقائياً متى أقدم طرف، مهما كانت الحصانات التي يتمتع بها، على مثل هذا العمل الاجرامي الذي يهدد ما هو في مستوى السلام العالمي. إنّه يهدّد أسس العدالة الدولية والقيم التي تقوم عليها هذه العدالة ويُعتبر جريمة في حقّ الانسانية. ولكن ما العمل إذا كانت إسرائيل دولة فوق القانون واستثناءً في هذا العالم؟
ما فعلته إسرائيل في غزة، يدلّ لى أن حياة الجندي المخطوف لا تهمّها بمقدار ما أن همّها محصور في تأديب الشعب الفلسطيني وتكريس الاحتلال وتدمير السلطة الوطنية الفلسطينية ومتابعة تنفيذ المشروع الهادف الى رسم حدود الدولة من جانب واحد. إنه الوعد الذي التزمته حكومة أيهود أولمرت الذي يعتقد أن الوقت مناسب لتنفيذ هذا المشروع ما دام الفلسطينيون في هذه الحال من الفوضى التي بلغت ذروتها بإعلان "حماس"، أي ما يفترض أن يكون الحكومة الفلسطينية، أنها غير راغبة في الدخول في أي مفاوضات مع إسرائيل وأن الهدف المرحلي الذي تنوي تحقيقه يتمثّل في التوصّل الى مجرّد هدنة معها في انتظار ظروف أفضل تمكّن من شن حرب شاملة تؤدي الى تحرير فلسطين من البحر الى النهر أو من النهرالى البحر لا فارق!
يفرض العدوان الاسرائيلي المكشوف، الذي يستهدف آمنين، على الجانب الفلسطيني، بل على جميع الفلسطينيين، التفكير بطريقة مختلفة عن تلك التي تعتمدها "حماس" أو بعض الاجنحة في الحركة التي تقدّم أبناء هذا الشعب وقوداً في معارك لا تصب للأسف الشديد إلاّ في مصلحة المشروع الاسرائيلي الجديد. من حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال. هذا حقّ مقدّس. لكنّ السؤال الاساسي لا يزال يدور حول الطريقة الافضل لتحقيق نتائج إيجابية. هل عملية خطف الجندي الاسرائيلي تؤدي الى نتائج ملموسة تصبّ في مصلحة القضيّة الفلسطينية، أم أنّ حكومة أولمرت ستستغلّها من أجل المضي في مشروعها المرتكز على مقولة أنّ لا وجود لشريك فلسطيني وأن رئيس السلطة الوطنية السيّد محمود عبّاس (أبو مازن) غير قادر على السيطرة على الارض، ولا فائدة تذكر منه تالياً. نسيت الحكومة الاسرائيلية الحالية، التي تشكّل استمراراً لحكومة أرييل شارون، بالطبع أنّها عملت كلّ ما في استطاعتها لإضعاف "أبو مازن" على غرار ما فعلت مع الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله.
في ظلّ الموقف الاميركي المؤيد للعدوان الاسرائيلي، وهو عدوان مستمر منذ فترة طويلة وراح ضحيّته عشرات الفلسطينيين الابرياء، بينهم نساء وأطفال، لا مفرّ من الاعتراف بأن إدارة الحكومة الفلسطينية للصراع لم تكن موفقة حتى الآن بما في ذلك إعلان "حماس" موافقتها على وثيقة الاسرى التي تعترف ضمناً بإسرائيل. كلّ ما يمكن قوله أن الموافقة جاءت متأخرة وفي وقت غير مناسب في آن، ذلك أن أحداً لن يعير هذا الحدث المهمّ الاهتمام الذي يستحقّه في ظلّ الظروف الراهنة، إضافة الى أنّ ناطقين باسم "حماس" سارعوا إلى الاعلان عن أن الموافقة لا تعني اعترافاً بإسرائيل. من حقّ الحركة اتخاذ المواقف التي تريدها، ولكن ليس من حقّها التهرّب من تحملّ مسؤولياتها، أقلّه في ما يخص النتائج التي تترتّب على العمليات التي تقدم عليها وكأنها لا تريد أن تتعلم شيئاً من النتائج الكارثية التي أسفرت عنها العمليات الانتحارية في الماضي..
ما لا بدّ من محاولة فهمه في النهاية أن المفروض البحث عن الطريقة الانجع لمواجهة المشروع الاسرائيلي. هل تفيد العملية الاخيرة في غزة في شيء؟ أم أنها تصبّ في مصلحة هذا المشروع. لا مفرّ من بلورة طرح سياسي جديد على الصعيد الفلسطيني، ولا مفرّ من اعتراف "حماس" بأن سلبيات عملية خطف الجندي الاسرائيلي تفوق بكثير إيجابياتها. هناك شعب يتعرّض لأبشع أنواع الارهاب، هو إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، وهناك عالم يتفرّج على ما يجري ويذهب الى حدّ تبرير الارهاب الاسرائيلي. هذا درس لا بدّ من تذكّره والتعلّم منه. وفي مقدم ما يفترض تعلّمه أن العالم ظالم وأن هناك موازين معينة للقوى لا يمكن تجاهلها. هذه الموازين سمحت لإسرائيل بتدمير البنية التحتية في غزة بحجة خطف الجندي الذي يرمز في النهاية الى قوة احتلال. منذ متى صارت مقاومة الاحتلال جريمة... ولكن هل خطف الجندي الطريقة الوحيدة لمقاومة الاحتلال في ظل الموازين السائدة؟ هذا ما يجب على قادة "حماس" طرحه على أنفسهم، إضافة بالطبع الى السؤال البديهي: هل همّ إسرائيل إنقاذ الجندي الأسير أم تنفيذ مشروعها الاستعماري الجديد؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00