8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل يستفيد العراق من التخلّص من الزرقاوي؟

أبعد من الزيارة التي قام بها الرئيس جورج بوش الابن للعراق لتهنئة الحكومة بقتل الإرهابي المسمّى "أبو مصعب الزرقاوي"، لا مفرّ من طرح سؤال في غاية البساطة. ملخّص هذا السؤال هل قتل الزرقاوي يقدّم أو يؤخر في حال عدم البحث جدّياً في الأسباب التي تحول دون أن يكون العراق بلداً موحداً آمناً من دون وجود سلطة قمعية كما كانت الحال في عهد صدّام حسين؟
لا شك أن القضاء على الزرقاوي سيساعد الحكومة الجديدة التي يرأسها السيّد نوري المالكي في ايجاد توازن داخل البلد. إنّه توازن لا مفرّ منه إذا كان مطلوباً الإبقاء على العراق بلداً موحداً قادراً على أن يلعب دوره على صعيد تكريس الاستقرار الاقليمي. ما هو على المحك في نهاية المطاف: هل العراق عامل استقرارفي المنطقة أم أنّه مجرد عامل مساعد في تفتيت المنطقة؟.
المهم في المرحلة المقبلة أن يكون اغتيال الزرقاوي نقطة تحول في العراق. في غياب مثل هذا التحول نحو الأفضل، لن يعني اغتيال هذا الإرهابي شيئاً بمقدار ما أنّه سيكون هناك مئة "أبو مصعب الزرقاوي" خلال فترة قريبة تستخدمهم هذه الجهة الاقليمية أو تلك في ابتزاز الأميركيين.
ما يحتاجه العراق هو صيغة تؤمن للبلد استعادة توازنه بعيداً عن أي نوع من التجاوزات على غرار تلك التي كانت سائدة في الماضي. وبكلام أوضح، لا يمكن الحديث عن ديموقراطية في العراق متى كانت هناك أحزاب مذهبية مثل "حزب الدعوة الإسلامية" أو "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" تمتلك ميليشيات خاصة بها وفيما لا يرى السنة العرب مكاناً يلجأون اليه سوى الإرهاب بأبشع عناوينه على غرار ذلك الذي مارسه "ابو مصعب الزرقاوي".
بكلام أوضح، لم يكن توجه أهل السنّة العرب في العراق نحو دعم الإرهاب، ألاّ بعدما شعروا بأنّهم مهمّشون، وأن هناك رغبة حقيقية في جعلهم يدفعون ثمن الجرائم التي ارتكبها النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين. حصل ذلك بعد اتخاذ الحاكم العسكري ـ المدني للعراق الذي كان اسمه بول بريمر قراراً بحل الجيش العراقي، كما لو أنّ المطلوب في حينه الانتقام من كلّ ما هو سنّي وعربي في العراق بحجة أنّ الجيش كان أداة من أدوات صدّام حسين. لم يكن ذلك صحيحاً. كان المطلوب وقتذاك إثارة الغرائز والنعرات الطائفية والمذهبية في العراق والقضاء على أيّ أمل في بقاء البلد موحّداً.
كان حل الجيش من أهمّ الأخطاء التي وقع فيها الأميركيون الذين كانوا ينفذّون بنود أجندة غير أميركية تصب في مصلحة فرط البلد، ليس إلا، بحجة أن هناك "أكثرية شيعية" في العراق. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يمكن تفسير الإصرار الأميركي، منذ ما قبل تنفيذ العملية العسكرية في العراق، على ايجاد شرخ مذهبي في بلد تعايش فيه أهل السنّة والشيعة من دون أي مشاكل منذ زمن بعيد؟ هل يمكن تبرئة إسرائيل من فرض أجندة معيّنة على الأميركيين في العراق؟
كان مهمّاً التخلص من الزرقاوي الذي يشكل في النهاية ظاهرة مرضية. لكن ما قد يكون أهمّ من ذلك السعي الى ايجاد نوع من التوازن السياسي داخل العراق، توازن يرضي كل الأطراف التي يتألّف منها المجتمع العراقي الذي قضى نظام صدّام على نسيجه خصوصاً عبر المغامرات العسكرية التي خاضها وتوّجها بجريمة احتلال دولة عربية مسالمة هي الكويت.
بين الأخطاء الأميركية المتتالية والطموحات الإيرانية التي لا حدود لها في العراق، وبين الغياب العربي الواضح وهو غياب يحصل عن طريق الإرهاب الذي تتعرّض له البعثات الديبلوماسية في بغداد في أحيان كثيرة، لا بدّ من الاعتراف بأنّ البلد في خضمّ حرب أهلية تستهدف تقسيمه. وحده التوازن السياسي يمكنه إخراج العراق من الحرب الأهلية. ولا شكّ أن التخلص من الزرقاوي خطوة في هذا الاتجاه، لكنّها ليست خطوة كافية إذا لم ترافقها إجراءات عملية تصب في اتجاه استعادة أهل السنّة العرب واستيعابهم سياسياً من جهة، وحل الميليشيات الحزبية من جهة أخرى. هل هذا ممكن في العراق؟ ثمة من يعتقد ذلك من منطلق أن أهل السنّة بدأوا يعون أنّ الإرهاب لن يقودهم سوى الى الهاوية، وأنّ الأحزاب الشيعية الكبرى بدأت تعي أبعاد النتائج التي يمكن أن تترتب على انفراج بين الإدارة الأميركية والنظام القائم في طهران. إنّها إشارات مشجعة الى إمكان تحسّن الوضع العراقي. يضاف الى هذه الإشارات التعقل الكردي الذي يعبّر عنه رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني. من يعيد التوازن الى العراق؟ الجواب، إن الكرة في ملعب الحكومة الجديدة التي عليها أن تؤكد أن نوري المالكي يختلف عن ابراهيم الجعفري حتى لو كانا من الحزب نفسه، وأن تجربة ممارسات وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في عهد الحكومة السابقة لن تتكرر. عندئذٍ، سيكون في الإمكان الحديث عن أن التخلص من الزرقاوي كان نقطة تحول نحو الأفضل في العراق..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00