8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فوضى السلاح الفلسطيني تسهّل مهمة أولمرت

يشكّل إعلان القاهرة عن أن المتورّطين في العمل الإرهابي الذي استهدف منتجع دهب في سيناء أخيراً تدرّبوا في غزة تطوّرا في غاية الأهمية على الصعيد الإقليمي. إنه تطوّر في غاية الخطورة يطرح بكل صراحة مشكلة اسمها قطاع غزة الذي انسحبت منه إسرائيل في الصيف الماضي وتركته في عهدة السلطة الوطنية الفلسطينية ، أقلّه من الناحية النظرية.
لا مبرر لأن يكون هناك مكان في غزة يتدرّب فيه إرهابيون لا همّ لهم سوى الإساءة إلى السياحة المصرية وقتل عرب وأجانب في منتجعات سياحية أكان ذلك في طابا أو في شرم الشيخ. ومن هذا المنطلق، يفترض في الجانب الفلسطيني الذي يبحث حالياً عن قواسم مشتركة بين الرئاسة الفلسطينية و"فتح" من جهة والحكومة الفلسطينية و"حماس" من جهة أخرى تفادياً لحرب أهلية تنطلق من غزة، للبحث جدّياً في الوضع السائد في القطاع. من دون هذا البحث لا فائدة من القواسم المشتركة التي يمكن التوصل إليها عبر مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني.
من واجب الفلسطينيين جميعاً، أيّاً يكن الفصيل الذي ينتمون إليه، الحؤول دون تحوّل قطاع غزّة إلى بؤرة يسرح فيها الإرهابيون من "القاعدة" وغير "القاعدة" ويمرحون من دون حسيب أو رقيب. من يتحمّل مسؤولية ذلك؟ لا بدّ من الاعتراف بأن المسؤولية الأولى تقع على فوضى السلاح في غزّة. إن فوضى السلاح في أساس التصرفات المسيئة إلى الشعب الفلسطيني الصامد وقضيته. يكفي أن يظهر فلسطينيون ملثّمون يطلقون النار في الهواء في غزّة أو في إحدى مدن الضفة الغربية على الفضائيّات العالمية لتلحق خسائر ضخمة بالقضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة ولتنقلب الآية بما لا يصب في مصلحة القضيّة الفلسطينية في أي شكل من الأشكال.
إن منظر السلاح الفلسطيني المتجوّل بشكل فوضوي في شوارع غزة ومدن الضفة ومخيّماتها يعطي فكرة خاطئة عن شعب يعاني من الاحتلال ومن إرهاب الدولة الذي تمثله إسرائيل.
من الآن، لا بدّ من القول ان لا فائدة من الحوار الفلسطيني في حال لم توجد رغبة في الانتهاء من فوضى السلاح وتوحيد البندقية الفلسطينية في خدمة استراتيجية سياسية واضحة قادرة على مواجهة الخطاب الغوغائي الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أمام الكونغرس الأميركي. إن هذا الخطاب الذي صفّق له أعضاء الكونغرس وقوفاً ست عشرة مرّة لم يتضمن جديداً. كلّ ما في الأمر أن الحكومة الإسرائيلية مصرة على رسم حدود الدولة اليهودية من جانب واحد متّكلة على أن لا وجود لشريك فلسطيني وأن الفشل الفلسطيني في غزّة سيتكرس في كلّ مكان آخر سينسحب منه الاحتلال مستقبلاً. هل من يريد التنبه إلى ذلك في الجانب الفلسطيني أم أن المطلوب الوصول إلى وضع تتحوّل فيه الأرض الفلسطينية التي لا يسيطر عليها الاحتلال رمزاً للفوضى لا أكثر؟.
لا حاجة إلى تكرار أن لا وجود لأي نية إسرائيلية لتسهيل مهمة رئيس السلطة الوطنية. لو كانت هناك مثل هذه النيّة لكان آرييل شارون فعل شيئاً في العامين الماضيين، خصوصاً بعد انتخاب "أبو مازن" رئيساً للسلطة الوطنية استناداً إلى برنامج في غاية الوضوح يقوم على التوصل إلى تسوية عبر المفاوضات. ولكن هل يجوز لـ"حماس" وغير "حماس" تسهيل مهمة أولمرت الذي ينفّذ سياسة شارون، وذلك عن طريق تأكيد أن الأراضي الفلسطينية "ساحة" لفوضى السلاح والإرهاب وأن كل طرف في السلطة وخارج السلطة يستطيع تشكيل ميليشيا خاصة به على غرار ما فعلت وزارة الداخلية الفلسطينية.
إما ان يحزم الفلسطينيون أمرهم وإلا فستسوء العلاقة أكثر بين الحكومة الفلسطينية ودول الجوار وعلى رأسها مصر والأردن. فالواضح أنّ التمسّك بفوضى السلاح وبإنشاء ميليشيات موازية لأجهزة الأمن الفلسطينية الرسمية هو الطريق الأقصر لخدمة إسرائيل من جهة وعزل القضية الفلسطينية عن محيطها من جهة أخرى. إمّا أن يتحمل الجانب الفلسطيني رئاسة وحكومة وفصائل مسؤولياته وإلا فستنتصر الغوغائية التي اعتمدها أولمرت الذي لم يتردد في القول إنه "لا يستطيع الانتظار طويلاً" قبل المباشرة في تنفيذ خطّته الهادفة إلى ضمّ أجزاء من الضفّة بما فيها القدس إلى إسرائيل وخلق أمر واقع جديد على الأرض.
نعم إن إسرائيل لم تقدم شيئاً لـ"أبو مازن" على الرغم من رغبته في التفاوض انطلاقاً من برنامج سياسي واضح. لكنْ هل هذه ذريعة كي تتخلى الحكومة الفلسطينية عن الواقعية وكي تسمح باستمرار فوضى السلاح... تلك الفوضى التي من دون التصدي لها اليوم قبل الغد لا فائدة تذكر من أي حوار فلسطيني. على العكس من ذلك، إن حواراً في ظلّ فوضى السلاح يوفّر دليلاً على ان الوضع الداخلي الفلسطيني غير قابل للعلاج، أقلّه في المدى المنظور.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00