8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ما الفارق بين "حماس" والرئاسة الفلسطينية؟

ليس هناك من يريد أن يظلم "حماس"، على العكس من ذلك، إن واجب كلّ عربي العمل لدعم الحركة وإنجاح المهمة التي بذلت حكومتها نفسها من أجلها. لكنّ المهم في هذه المرحلة التي تمرّ فيها المنطقة تنبيه "حماس" إلى أن الشرق الأوسط يتغيّر وأن عليها أن تعي أن الأحداث التي يشهدها في خطورة تلك التي تلت انهيار الدولة العثمانية في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى مطلع القرن الماضي.
لم تنتظر القوى التي انتصرت في تلك الحرب إسدال الستار عليها كي تباشر عملية إعادة رسم خريطة المنطقة. ما لا بدّ من تذكّره باستمرار أن الحرب العالمية الأولى لم تضع أوزارها الاّ في العام 1918، لكن ذلك لم يمنع فرنسا وبريطانيا من التوصّل إلى اتفاق سايكس ـ بيكو في العام 1916، وهو اتفاق استهدف تقاسم النفوذ بينهما والتأسيس لقيام دولة اسرائيل على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. كانت هناك حاجة إلى الحرب العالمية الثانية وإلى "المحرقة" التي ارتكبها هتلر في حق اليهود كي يتكرّس الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني وكي يُفرض على مئات آلاف الفلسطينيين ترك أرضهم وأرزاقهم من أجل أن تقوم دولة اسرائيل التي اعترف بها العالم والتي مهّد لقيامها المنتصرون في الحرب العالمية الأولى عبر اتفاق سايكس ـ بيكو أولاً ثم عبر وعد بلفور الذي تحوّل إلى واقع في العام 1948، بعد واحد وثلاثين عاماً من صدوره.
المؤسف ان الجانب العربي لم يتصرّف في أي وقت بطريقة تأخذ في الاعتبار موازين القوى إقليمياً ودولياً. كان العرب يصدّقون بكل بساطة الشعارت التي يطلقونها ويقعون في أسرها. لم يفهموا ما كانت عليه الأحوال في العام 1948 عشية إعلان دولة اسرائيل ومسارعة القوى الكبرى آنذاك إلى الاعتراف بها. ولم يفهموا ما كانت عليه الأحوال في العام 1967 فخسروا الكثير. وكان محزناً أن يخسروا القدس والضفّة الغربية بعدما جُرّ الأردن إلى الحرب جَرّاً تحت تأثير التظاهرات التي عمت العالم العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر وحملات التخوين التي استهدفته. ما الذي يمكن قوله عن تلك الأيام التي كان مطلوب فيها ألاّ يعلو صوت فوق صوت المعركة؟. هل حصل أن قام أي من الأنظمة العربية بعملية نقد للذات في العمق أدّت إلى تعلم شيء من دروس الماضي؟.
المؤسف أن شيئاً من ذلك لم يحدث. ما حصل كان اندفاعاً لأنور السادات بعد سنوات قليلة من رحيل جمال عبدالناصر إلى التفاوض مع اسرائيل. بدا وكأنّ السادات يريد تصفية حساباته مع العرب الآخرين، متجاهلاً حتى مسؤولية مصر ـ عبد الناصر في توريط الأردن في الحرب التي كان الملك حسين رحمه الله، يدرك سلفاً نتائجها. وبدا أن العرب الآخرين يريدون تصفية حساباتهم مع السادات غير مدركين معنى انسحاب مصر من معادلة معيّنة تحكمت بالتوازنات الأقليمية، أقلّه من الزاوية السياسية.
يفترض في حركة مثل "حماس" أن تنظر إلى الخلف قليلاً وأن تتذكر أن ما أخذ بالقوّة لا يسترجع بالقوة. مصر استعادت سيناء بالمفاوضات. أما بالنسبة إلى قطاع غزة الذي انسحبت منه اسرائيل الصيف الماضي، فإنّ ذلك لم يحصل بفضل المقاومة، بل بسبب حسابات تصبّ في مصلحة تطبيق خطة خبيثة تستهدف تكريس الاحتلال لجزء من الضفّة الغربية بما فيها القدس. الاستثناء الوحيد كان جنوب لبنان حيث حصلت مقاومة حقيقية للاحتلال. ولكن متى أعلنت اسرائيل أنها تريد الاحتفاظ بجنوب لبنان؟ قالت صراحة انها تريد الاحتفاظ بالقدس وبأجزاء من الضفة الغربية وهمّها محصور بألاّ يكون هناك استقرار في جنوب لبنان لا أكثر ولا أقلّ. هذا واقع لا يمكن تجاهله. هل تريد "حماس" التعاطي مع هذا الواقع، ام أنّها تنوي العيش في الأوهام؟.
للمرّة الألف، ان النصيحة الصادقة الوحيدة التي يمكن أن توجه إلى "حماس" هذه الأيام تختصر بترك الرئاسة الفلسطينية تفاوض الخارج وتتعاطى مع العالم على أن تعمل حكومتها على القضاء على الفساد الذي ساد في الأراضي الفلسطينية. الموضوع يتعلّق بكل بساطة بأن "حماس" ستضيع ما بقي من فلسطين لسبب في غاية البساطة أنها تفعل كلّ شيء لإقناع العالم بالنظرية الفلسطينية القائلة إن لا وجود لشريك فلسطيني. هذا لا يعني أن السلطة الوطنية ومعها الرئاسة ستقنع اسرائيل بجدوى المفاوضات والقيام بمزيد من الانسحابات، لكن الفارق أنه مع السلطة الفلسطينية هناك بعض الأمل في تحقيق تقدم، في حين أن هذا الأمل معدوم مع "حماس". هل يستطيع الشعب الفلسطيني متابعة صموده في المدى الطويل من دون فسحة الأمل التي توفّرها له الرئاسة الفلسطينية؟، إنّها في كلّ الأحوال رئاسة منتخبة من الشعب لا يعوزها شيء من الشرعية، مثلما إن الشرعية لا تنقص "حماس" وحكومتها. الفارق الوحيد أن "حماس" على خلاف الرئاسة لا تريد التعلّم من دروس الماضي ومن أن ليس في الامكان تعويض موازين القوى بالشعارات الرنّانة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00