8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا ستزداد الضغوط على الحكومة اللبنانية؟

هناك فارق كبير بين رجل دولة مثل فؤاد السنيورة وزعماء ميليشيات من طراز أولئك الذين دعوا الى تظاهرة العاشر من أيار الجاري. إنتهت التظاهرة بانتصار للحكومة التي يصرّ النائب ميشال عون على التخلص منها معتمداً على "حزب الله" الذي لا يجد عيباً في النزول الى الشارع والأعتراض على حكومة يتمثّل فيها. وإذا كان من نقطة إيجابية تسجل على هامش التظاهرة التي أمر بها النظام السوري، فإن هذه النقطة تصب في مصلحة "حزب الله" الذي أظهر أمرين. الأوّل أنه قادر على ضبط الأمن ومنع أي فوضى يتسبب فيها الذين نزلوا الى الشارع، والآخر أن السيد حسن نصرالله، الأمين العام للحزب، صار يسيطر تماماً على ميشال عون الذي يتزعم الكتلة المسيحية الأكبر في مجلس النوّاب اللبناني. أكثر من ذلك، لم يعد النائب ميشال عون، الذي تحول أسيراً لكرسي الرئاسة، سوى أداة صغيرة في مشروع سياسي كبير ذي امتدادات إقليمية لا تسمح له قدراته المحدودة جداً باستيعاب خطورته.
ربما كان الأهمّ من ذلك كلّه أن "حزب الله" الذي يقتصر الانتماء إليه على أبناء طائفة معيّنة، بات قادراً على المناورة أكثر على الصعيد اللبناني بفضل الغطاء المسيحي الذي وفّره له ميشال عون، الرجل الذي يتصرف كعسكري عندما يتطلب الأمر أن يكون سياسياً، في حين كان يتصرف كسياسي يوم كان مطلوباً منه أن يكون عسكرياً. وكان أن أدّى تصرّفه الشاذ طوال سنوات الى سلسلة من الهزائم المتلاحقة توّجها بتمكين النظام السوري من إدخال قوّاته الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في تشرين الأول من العام 1990.
أمّا لماذا خرجت الحكومة منتصرة من التظاهرة، فإن ذلك يعود الى أسباب عدّة في مقدّمها أنه تبين أنها قادرة على التعامل بحكمة مع تظاهرة أقل ما يمكن أن توصف به أنها لغم كبير مستورد تمكنت من تفكيكه. والدليل على ذلك، أن التظاهرة لم تجمع سوى أنصار النظام السوري في لبنان وحلفائه الذين لا همّ لهم من حيث يدرون أو لا يدرون سوى بقاء لبنان "ساحة" للنزاعات الأقليمية. نعم هناك من يدرك ذلك ويتصرف انطلاقاً من قناعات معينة لا يمكن تجاهلها، لكنّ هناك من يُستخدم في لعبة ليس قادراً على فهمها وتفكيك أحجيتها. وبين الذين يدرون والذين لا يدرون، أي بين "حزب الله" وميشال عون، استطاعت الحكومة تفكيك اللغم الكبير أقلّه موقتاً.
إن التشديد على كلمة "موقتاً" ضروري جداً، لا لشيء سوى لأن الجهة الأقليمية التي أصرّت على التظاهرة ستعاود الكرة وستحاول تفجير ألغام أخرى تركتها في لبنان، بدءاً بسلاح "حزب الله" وانتهاء بالسلاح الفلسطيني خارج المخيّمات وداخلها مروراً بالحركات الأصولية السنّية التي تدخل عناصرها الأراضي اللبنانية من معابر حدودية لا تخضع لسيطرة الحكومة اللبنانية. وبات واضحاً ان على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار اللغم الجديد الذي اسمه ميشال عون الحاقد على كلّ شيء، خصوصاً على النجاح والناجحين مثله مثل رئيس الجمهورية الممدّد له بفضل الترهيب ليس إلاّ.
سيزداد الضغط على الحكومة نظراً الى أنّها تمثّل لبنان المستقبل، لبنان الرافض لفكرة أن يكون "ساحة" للآخرين، لبنان الذي يستطيع التوجّه الى العالم وطلب مساعدته، على غرار ما فعل فؤاد السنيورة في لندن، لبنان الذي يدرك معنى مشروع الانماء والاعمار الذي نفّذه رفيق الحريري والذي كان حجر الزاوية لعملية طويلة لم تكتمل بعد، هدفها إعادة الحياة الى البلد كلّه وليس الى وسط بيروت فقط. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير الحقد الذي يكنّه ميشال عون لمشروع الانماء والاعمار هو الذي لم يستطع يوماً التأسيس سوى للخراب. هل من مثل يمكن إعطاؤه على مدى قدرته على إلحاق الخراب بلبنان واللبنانيين أكثر من الجبهة التي فتحها مع "القوات اللبنانية" في كسروان في العامين 1989 و1990؟
كذلك، سيزداد الضغط على الحكومة لأنّها تمثل صوت لبنان الرافض للسكوت عن الحق. والحق هنا هو التحقيق الدولي في أستشهاد الرئيس رفيق الحريري رمز العروبة الصادقة التي سعت الى الرفع من شأن العرب عموماً واللبنانيين والسوريين خصوصاً. هذا التحقيق مستمرّ والأكيد ان هدف النظام السوري أن لا يكون هناك دعم من الحكومة اللبنانية الشرعية له، بل تبرؤ لبناني منه وأن تكون هناك عودة الى الممارسات القديمة للجهاز ألأمني السوري ـ اللبناني الذي أعيدت إليه الحياة بهدف واضح يتمثّل في متابعة محاولة تضليل التحقيق. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير ذلك الأصرار على التظاهرة الأخيرة التي ترمز الى عودة الجهاز الى ممارسة نشاطه... مزوّداً بغطاء مسيحي هذه المرة، غطاء مستعد لتغطية كلّ أنواع الجرائم ما دام ليس هناك مجلس نيابي على استعداد لارتكاب جريمة إيصال أحد الغربان الى موقع رئيس الجمهورية. ما هذا الظلم اللاحق بلبنان لمجرد أن أكثرية أبنائه ترفض أن يكون مجرّد "ساحة"؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00