8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حماس" وضرورة التعاطي الفعلي مع الواقع

لا يحق للولايات المتحدة أو لأوروبا معاقبة الشعب الفلسطيني بسبب ممارسته حقه الديموقراطي الذي أوصل "حماس" الى السلطة او على الأصح الى حد استحواذها على جزء من السلطة عبر تشكيل حكومة فلسطينية تسيطر عليها بنسبة مئة في المئة. على من ينادي بالديموقراطية القبول سلفاً بنتائجها بدل معاقبة الذين يمارسونها. وعلى من يريد انتقاد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة بسبب تصويت أكثرية من فيه لمرشحي "حماس" السعي الى فهم الأسباب التي جعلت الناخبين يتصرفون بهذه الطريقة مفضلين الشعارات الفارغة على كل ما له علاقة بالواقع والواقعية.
لا يمكن الا الاعتراف بأن الطريقة التي يتعاطى بها العالم مع حكومة "حماس" يشوبها الكثير من الظلم والازدواجية، لكن ذلك يجب ألا يمنع "حماس" من التصرف بطريقة مختلفة تحول دون كارثة فلسطينية جديدة يمكن تسميتها نكبة أو هزيمة أو انتكاسة... أو أي شيء من هذا القبيل. ولعل أول ما يفترض في "حماس" استيعابه هو أن العرب غير قادرين على مساعدة الحكومة الفلسطينية اذا لم تساعد هذه الحكومة نفسها. وقد جاء الانذار الأول لـ"حماس" من القاهرة التي رفضت استقبال وزير الخارجية الفلسطيني الجديد الدكتور محمود الزهار كما يجب ان يستقبل تاركة له التعاطي مع اللواء عمر سليمان مدير المخابرات وهو مسؤول أمني قبل أي شيء آخر. وهذا يعني في طبيعة الحال رفض اقامة علاقة طبيعية ذات طابع سياسي مع "حماس" قبل تسوية أمور معينة لا تخفى على أحد تبدأ باعتراف "حماس" بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت في العام 2002.
ليس كافياً التلاعب على الكلام كي تتمكن "حماس" من الافلات من الاعتراف بمبادرة السلام العربية التي تستند في نهاية المطاف الى قرارات الشرعية الدولية. نعم لقد رفض آرييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك مبادرة السلام العربية. وكان أن ساعدته "حماس" في رفضها من منطلق انها كانت تلتقي معه من حيث تدري او لا تدري عند خلق مصاعب امام عملية السلام بهدف نسفها من جذورها وأحراج السلطة الوطنية والشهيد ياسر عرفات بالذات. وفي حال كنا نريد الذهاب الى أبعد، يمكن القول صراحة ان العملية الانتحارية التي نفذتها "حماس" في منتجع نتانيا في الوقت الذي كانت قمة بيروت تختتم اعمالها، لعبت الدور الأساسي في تهميش مبادرة السلام العربية. تكفلت العملية الانتحارية بجعل الاهتمام العالمي منصباً على ما يتعرض له مدنيون اسرائيليون يستهدفهم انتحاري من "حماس" بدل ان يكون التركيز العالمي على رغبة العرب في السلام واستعدادهم لتقديم مشروع يستند الى الشرعية الدولية للتخلص من الاحتلال الذي يصر شارون وأمثاله على تكريسه.
ما حصل في الماضي قد حصل. الآن هناك حكومة فلسطينية شكلتها "حماس" عليها التعاطي مع الواقع وليس مع الأوهام. والواقع يتمثل في وجود رواتب لا بد من دفعها كل آخر شهر ووجود عائلات لا تجد ما تسد به جوع أطفالها. وفوق ذلك كله يوجد احتلال قادر على تحويل قطاع غزة الى سجن كبير والعمل على تقطيع اوصال الضفة الغربية. ما يفترض في "حماس" ان تفهمه ان الجوع الذي أظهرته الى السلطة لا يسد "جوع الأطفال الفلسطينيين وأن عليها التعاطي مع الواقع الذي عرفت كيف تتعاطى معه من أجل الوصول الى السلطة". والدليل على ذلك انها توقفت عن العمليات الانتحارية واعتمدت ما سمّته "التهدئة" منذ اشهر عدة بعدما تأكدت من ان السلطة صارت في متناول اليد. ماذا يضر "حماس" اذا أيقنت ان المساعدات العربية لن تأتي بالكامل في حال لم تقدم على خطوة واضحة في اتجاه قبول مبادرة السلام العربية... أما المساعدات الأوروبية والدولية فهي رهن بإعلان التزام الحركة التام الذي لا مواربة فيه للاتفاقات التي وقعتها السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بالذات. ان هذه المساعدات كانت نتيجة لتلك الاتفاقات لا اكثر ولا اقل.
هناك ظلم كبير لحق بالشعب الفلسطيني وهو ناجم في جانب منه عن الخلل في التوازنات الاقليمية والدولية. انه خلل لا يسمح بالتحدث عن العدالة اللهم الا اذا كانت "حماس" تعتقد ان ايران قادرة على اصلاح هذا الخلل وإعادة التوازن الاستراتيجي الى المنطقة. عندئذ، كل ما يمكن قوله للذين يشرفون على سياسة الحكومة الفلسطينية ان الشعارات ليست سياسة وأنه آن للفلسطينيين ان يدركوا ان ثمة في المنطقة من يريد الاتجار بهم مرة أخرى واستخدامهم وقوداً في معركة لا علاقة لهم بها. استخدموا في الماضي في مثل هذه المعارك في الأردن واستخدموا ولا يزال بعضهم يُستخدم لهذا الغرض في لبنان! هل في استطاعة "حماس" ادراك هذا الواقع قبل فوات الأوان أم ان السلطة وتعطشها لها يحولان دون تمكنها من ذلك؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00