8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حرب العراق التي أسست لحروب جديدة

ماذا بقي من العراق بعد ثلاث سنوات على سقوط بغداد؟ الأكيد أن الأميركيين استطاعوا بعد احتلالهم للبلد التمهيد لعملية طويلة تستهدف إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. سيستغرق ذلك من دون شك سنوات وسنوات، ذلك أنه بات معروفاً أن الحرب الأهلية بدأت في العراق ولكن ما ليس معروفاً متى ستنتهي أو كيف سيكون ذلك. ليس معروفاً بالطبع هل يبقى البلد موحداً أم لا، كما ليس معروفاً إلى أي حد ستؤثر الحرب الأهلية الدائرة في العراق التي ارتدت طابعاً مذهبياً على دول الجوار. كل ما في الأمر أن المنطقة كلها دخلت مرحلة مخاض في غاية الخطورة نظراً إلى أن الأميركيين لم يدركوا في أي لحظة أن ما فعلوه في العراق يمكن أن يؤسس لحروب جديدة وليس لانتشار الديموقراطية في المنطقة انطلاقاً من النموذج العراقي قبل الإقدام على أي خطوة جديدة في العراق، يفترض في الإدارة الأميركية الاعتراف بأن ما قامت به حتى الآن كان عملية صبّت في مصلحة النظام الإيراني لا أكثر ولا أقل. في حال كان في استطاعة الإدارة الأميركية الاعتراف بهذا الواقع، في الإمكان عندئذٍ الحديث عما يمكن عمله وما لا يمكن عمله في العراق والمنطقة. إن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وقد كان الخطأ الأميركي جسيماً في العراق. والحقيقة أنه لا يمكن مجرد الكلام عن آلاف الأخطاء التكتيكية اعترفت بها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، بل إن المفروض الحديث عن سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية أدت إلى تسليم العراق إلى إيران بكل ما في كلمة التسليم من معنى.
في حال كانت الإدارة الأميركية في حاجة إلى التأكد من صحة هذا الكلام، ليس أمامها سوى التفكير ملياً في أن النظام الايراني لم يكن قادراً على الاستمرار في برنامجه النووي متحدياً العالم لولا شعوره بأنه خرج منتصراً من الحرب الأميركية على العراق وأن الأميركيين والبريطانيين في العراق صاروا رهائن لديه.
مرة أخرى لا شيء يبرر استمرار نظام صدام حسين البعثي ـ العائلي في السلطة، أكثر من ذلك، كان ضرورياً إزاحة هذا النظام الذي قضى على النسيج الاجتماعي للشعب العراقي، لكن التخلص من النظام بالطريقة التي اعتمدتها الإدارة الأميركية، لن تجر سوى إلى مزيد من الكوارث، لا لشيء سوى لأن كل ما فعله الأميركيون صب في مصلحة الإخلال بالتوازنات الاقليمية بما جعل إيران تعتقد أنها صارت القوة الوحيدة القادرة على التحكم بأوضاع الشرق الأوسط نظراً إلى أنها باتت ذات الكلمة الأولى والأخيرة في العراق من جهة وأنها قادرة على التحكم بأهم منطقة منتجة للنفط في العالم من جهة أخرى.
هذا هو الواقع الذي لا مفر للإدارة الأميركية من التعاطي معه، إنه واقع جعل النظام الإيراني يمتلك ما يكفي من الثقة بالنفس للقول إنه على استعداد للذهاب إلى النهاية في تطوير برنامجه النووي بغض النظر عن المواقف الأميركية والأوروبية وحتى الروسية والصينية، إن العراق هو سر قوة ايران في هذه المرحلة، والثابت في ضوء الإصرار الأميركي على عدم الاعتراف بذلك، أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين ستحتاج إلى حروب أخرى في حال ليس وارداً قبول القوة العظمى الوحيدة في العالم بأنها هزمت أمام إيران.
بعد ثلاث سنوات على سقوط بغداد، لم يعد السؤال ما الذي ستفعله أميركا في العراق، بمقدار ما أن الموضوع المطروح مرتبط بما ستفعله مع إيران. لا شك أن وحدة العراق مهددة، لكن السؤال الأساسي الذي لا مفر من طرحه كيف ستتعاطى أميركا مع إيران؟ وبكلام أوضح هل يمكن للولايات المتحدة الاعتراف بأن هناك قوة اقليمية تمتلك سلاحاً نووياً قادراً على السيطرة على المنطقة الممتدة من الخليج، بما فيه من ثروات نفطية، إلى جنوب لبنان اسمها إيران والتعايش مع مثل هذه القوة؟
ستحتاج الإدارة الأميركية إلى بضعة أسابيع للإجابة عن هذا السؤال، ففي شأن كل ما له علاقة بإيران، نراها تنتقل من مفاجأة إلى أخرى، وربما كانت في حاجة إلى أسابيع لإعادة تقويم الوضع في المنطقة بمشاركة إسرائيل طبعاً، الدولة المعنية أكثر من غيرها بالسلاح النووي الإيراني الذي لا يبرره سوى السلاح النووي الذي تمتلكه الدولة اليهودية، والذي يسكت عنه العالم المتحضر بدل أن يعمل على إزالته على غرار ما يفعل مع إيران.
في كل الأحوال، دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة، حرب العراق ليست آخر حروبه، كل الدلائل تشير إلى أنها أسست لحروب جديدة، كل ما يمكن قوله عن هذه الحروب أنها ستعجل في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00