ليس عدلاً أن يدفع الشعب الفلسطيني ثمن حصول "حماس" على أكثرية في المجلس التشريعي مكّنتها من تشكيل حكومة. المطلوب أن يستمر العالم في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته المحقة بدل معاقبته على خياره الديموقراطي. في النهاية كان هناك إصرار أميركي ليس بعده إصرار على إجراء الانتخابات الفلسطينية في موعدها أي في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي. وجاءت نتيجة الانتخابات لمصلحة "حماس" في ضوء حال التشرذم التي كانت تعاني منها "فتح" التي كانت الى أمس حزب السلطة الفلسطينية. والحقيقة أنه كان هناك وعي داخل "فتح" لضرورة تأجيل الانتخابات، لكن الإدارة الأميركية أصرّت على أن تجرى في موعدها من دون أي تأخير. أكثر من ذلك، لم يكن هناك أي عضو من أعضاء اللجنة المركزية لـ"فتح" مع احترام موعد إجراء الانتخابات، كان الجميع مع التأجيل باستثناء الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس (أبو مازن).
المفارقة أن الإدارة الأميركية تدعو حالياً الى مقاطعة حكومة "حماس" وهناك جهود واضحة لمحاصرة الحكومة وتفشيلها، علماً أن كل التقديرات كانت تشير الى أن إجراء الانتخابات في موعدها سيعني حصول "حماس" على أكثرية نيابية يبدو أنها لم تفاجئ سوى الأميركيين الذين لا يحبون هذا النوع من المفاجآت.
تكمن المشكلة في أن "حماس" لن تتأثر بالحصار الأميركي الذي يستهدف حكومتها. من سيتأثر هو الشعب الفلسطيني الذي سيجد نفسه أكثر من أي وقت تحت رحمة حركة سياسية استطاعت للمرة الأولى في التاريخ العربي تشكيل حكومة تسيطر عليها حركة الاخوان المسلمين وذلك عن طريق صناديق الاقتراع. الأكيد أن ليس في استطاعة أي دولة من دول العالم الغربي أكان ذلك في أوروبا أو في أميركا التعاطي مع "حماس" بشكل طبيعي، خصوصاً أن الحركة ترفض الاعتراف بإسرائيل وترفض حتى التزام البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو التزام كان وفّر عليها الاعتراف المباشر بالدولة اليهودية. وبغض النظر عن الموقف من "حماس" وما إذا كان عليها الاعتراف بإسرائيل أم لا، يبدو واضحاً أن القدرة الفلسطينية على التحرك سياسياً تقلصت الى حد كبير. لم يعد وزير الخارجية الفلسطيني يُستقبل في أوروبا في الولايات المتحدة ولا حتى في الصين...
يفترض في الإدارة الأميركية قبل مقاطعة حكومة "حماس" أن تسأل نفسها عن سبب وصول الحركة الإسلامية الى حيث وصلت. يفترض بها أن تسأل لماذا قاطعت الحكومة الإسرائيلية "أبو مازن" مصرة على أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه على الرغم من أن الرجل كان واضحاً كل الوضوح في برنامجه الانتخابي الذي أوصله الى موقع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. لم يخفِ "أبو مازن" أنه يخوض الانتخابات على أساس وقف عسكرة الانتفاضة.
وقد أيّده الشعب الفلسطيني بأكثرية كبيرة. من عزل "أبو مازن" يتحمل المسؤولية عن وصول "حماس" الى حيث وصلت. والأكيد أن الردّ على انتصار "حماس" لا يكون بمعاقبة الشعب الفلسطيني الذي أراد إظهار عدم رضاه عن تصرفات قياديي "فتح" أكثر من أي شيء آخر... فضلاً عن استيائه من أداء السلطة الوطنية بشكل عام.
تصرفت "حماس" بعقلانية منذ وصولها الى السلطة. والدليل أن كلامها عن المقاومة صار مجرّد كلام وشعارات لا علاقة لها بالممارسة اليومية للعنف. وكان معنى ذلك على الصعيد العملي توقف العمليات الانتحارية، على الرغم من أن إسرائيل لم توقف إرهابها.
ما الذي يمكن عمله في مواجهة الوضع الجديد في فلسطين حيث تمارس "حماس" مقداراً كبيراً من ضبط النفس خشية ارتداد العنف عليها وعلى تجربتها في السلطة؟ لا بد من مقاربة اميركية وأوروبية جديدة للوضع تأخذ في الاعتبار أن معاقبة حكومة "حماس" سيؤدي الى معاقبة الشعب الفلسطيني، وأن ذلك سيزيد الفلسطينيين تطرفاً ونقمة على أميركا والغرب فيما ستستمر إسرائيل في مشروعها الاستعماري الجديد الهادف الى رسم حدودها من جانب واحد. هل لدى الإدارة الأميركية الوقت للبحث جدياً في كيفية تفادي مزيد من التحولات نحو الأسوأ في فلسطين... أم أن همها الوحيد في المنطقة بات محصوراً في العراق والمأزق الذي أوقعت نفسها فيه هناك؟
ليس ما يدعو الى التفاؤل على الصعيد الفلسطيني، إلا أن الأكيد أن من لديه بعض الحرص على الاستقرار في المنطقة لا يترك الأمور تتدهور أكثر، بل يترك حكومة "حماس" تدير الشؤون اليومية للمواطنين ويعمل على حل تفاوضي عن طريق "أبو مازن". مثل هذا المخرج الذي يمكن اللجوء اليه، في حال استمرت الهدنة أو التهدئة التي تلتزمها "حماس"، يمكن أن يعوض بعض الظلم الذي لحق برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية منذ انتخابه، كما يمكن أن يحول دون إلحاق مزيد من الظلم بالشعب الفلسطيني!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.