لا يستطيع أي لبناني تجاهل التضحيات التي قدمتها المقاومة الاسلامية ممثلة بـ "حزب الله".
هناك شباب استشهدوا وهذا ما يفرض الانحناء أمام ما قدموه خدمة لقضية آمنوا بها. الا ان ذلك لا يمنع في هذه الأيام من طرح أسئلة من نوع آخر تتعلق مباشرة بوجود قوات غير نظامية في جنوب لبنان ومخاطر ذلك على مستقبل البلد من كل النواحي أي سياسياً واقتصادياً وانمائياً وحتى حضارياً...
على من يريد التأكد من ان اسرائيل معنية بعدم ذهاب الجيش اللبناني الى الجنوب العودة قليلاً إلى خلف وتذكر مرحلة في غاية الأهمية، بل مرحلة مفصلية في التاريخ اللبناني الحديث.
تعود تلك المرحلة إلى أواخر العام 1975 حين أعطت الادارة الأميركية بضوء أخضر اسرائيلي، نعم اسرائيل، موافقتها على دخول القوات السورية الأراضي اللبنانية لاحتواء الوضع المتدهور في البلد وعدم تحوله إلى نزاع اقليمي.
يروي الديبلوماسي الأميركي الذي رافق المبعوث الذي ارسلته واشنطن الى لبنان أواخر العام 1975، وكان يدعى دين براون، تفاصيل ما فعله الأخير في لبنان. يضحك هذا الديبلوماسي الذي لا يزال حياً يرزق وقد تقاعد قبل سنوات من عمله الرسمي بعد شغل موقع سفير بلاده في غير عاصمة عربية، لدى سؤاله عن صحة ما يقوله بعض السذج عن ان براون عرض الاتيان ببواخر لتسفير مسييحي لبنان، لا يكتفي بالضحك، بل يقهقه طويلاً ويتساءل من أين جاء بعض السياسيين اللبنانيين بهذه المخيلة الخصبة؟ وبعد حفلة الضحك الطويلة يشرح، الديبلوماسي الأميركي حقيقة مهمة دين براون التي بدأت باستدعاء وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر للرجل الذي عرف بأنه رجل المهمات الصعبة والخطيرة وتكليفه التوجه إلى لبنان. حصل ذلك، على الرغم من أن دين براون كان ترك الخارجية الأميركية قبل أسابيع عدة من استدعاء كيسنجر له وعلى الرغم أن العلاقة بين الرجلين لم تكن جيدة، اذ ان براون لم يكن شديد الاعجاب بكيسنجر.
استناداً الى الديبلوماسي الأميركي الذي رافق دين براون الى لبنان، اقتصرت مهمة المبعوث الأميركي على كسب الوقت لا أكثر. وقال كيسنجر لدى براون بالحرف الواحد: كنت أعتقد ان المشاكل في لبنان التي بدأت في 13 نيسان ـ ابريل 1975 ذات طابع محلي. لذلك، لم اعرها ما يكفي من الاهتمام. كنت في الواقع منهمكاً بمعالجة ذيول الانسحاب من فيتنام، لكني اكتشفت قبل أيام ان المشاكل اللبنانية يمكن أن تتحول نزاعاً اقليمياً. كل ما أريد منك ان تفعله هو الذهاب إلى لبنان والتظاهر بأن الأميركيين يحاولون التحرك، وذلك كي يتوفر لي الوقت الكافي لاستيعاب الوضع، واستخدم كسينجر عبارة "أخلق أكبر كمية من الدخان" بغية اعطاء انطباع بأن هناك ديبلوماسية اميركية نشطة.
وذهب دين براون الى لبنان يرافقه الديبلوماسي الأميركي، والشاب وقتذاك، وراحا يجولان على السياسين اللبنانيين. وعندما انتهت لائحة الزيارات التي حملاها زارا شخصيات لبنانية معينة غير مرة من أجل كسب الوقت ليس الا والسماح لكيسنجر بإيجاد طريقة تحول دون تحول المشاكل في لبنان الى نزاع اقليمي.
بعد عودة دين براون الى واشنطن، وبعدما فكر وزير الخارجية الأميركي طويلاً في مخرج، وجد أن الحل الأفضل يتمثل بالسماح للجيش السوري بدخول الأراضي اللبنانية والسيطرة على القوات الفلسطينية التي كانت دخلت في مواجهات مع الميليشيات المسيحية. في البداية، كان كيسنجير يريد أن يصل الجيش السوري إلى خط الهدنة بين اسرائيل ولبنان. كي يعم الهدوء في المنطقة على غرار ما هو حاصل في الجولان، خصوصاً أنه رعى في العام 1974 اتفاق فك الاشتباك بين سوريا واسرائيل. وقد اعتبر كيسنجر هذا الاتفاق من بين انجازاته الديبلوماسية. من الذي اعترض على احتمال وقف العمليات الفلسطينية من جنوب لبنان؟
يجيب الديبلوماسي الأميركي ان اسرائيل سارعت الى الاعتراض واصرت على بقاء الفدائييين الفلسطينيين في جنوب لبنان وعلى الا يتجاوز السوريون جسر الأولي. كل ما في الأمر ان اسرائيل تجد مصلحة في استمرار التوتر في جنوب لبنان وفي عدم سيطرة الجيش اللبناني عليه، ولذلك وضعت "الخطوط الحمر" التي التزمها السوريون بدقة متناهية.
هذا ما حصل في الماضي، وهذا ما يتكرر اليوم، ممنوع على الجيش اللبناني ان يذهب الى جنوب لبنان، لأن اسرائيل تريد ذلك لا أكثر ولا أقل، انه وضع يناسب اسرائيل التي لا تريد ان ينعم جنوب لبنان بالهدوء والاستقرار. والمؤسف ان رئيس الجمهورية اللبنانية الذي لا يعرف من السياسة سوى الحقد على النجاح لكان فهم أخيراً ان عدم ارسال الجيش الى الجنوب ووجود أي قوة خارج اطار الشرعية اللبنانية خدمة لاسرائيل ولاسرائيل وحدها. هل من يريد مواجهة الحقيقة؟ هل من يريد الاستفادة من تجارب الماضي القريب؟ الجواب أن بعض اللبنانيين لا يريدون ان يتعلموا المعنى الحقيقي للوطنية وكيفية مواجهة اسرائيل حضارياً وليس بالعراضات المسلحة التي لا تلحق الضرر سوى بلبنان....
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.