8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حماس" والبعد الحضاري للمعركة مع الاحتلال...

ما يحصل حالياً أنه للمرة الأولى في تاريخ المنطقة، تصل حركة الاخوان المسلمين الى وضع تتمكن فيه عبر الوسائل الديموقراطية، أي صندوق الاقتراع، من تشكيل حكومة في إحدى الدول العربية. وإذا كنا نريد أن نكون أكثر دقة، يمكن الحديث عن كيان عربي ما، في وقت لا يزال من السابق لأوانه الكلام عن دولة متى كان الموضوع مرتبطاً بفلسطين التي لا تزال تعاني من الاحتلال الاسرائيلي.
لا شك أن حركة الاخوان المسلمين حركة ذكية تعرف كيف يكون التعاطي مع الواقع، لكن المشكلة الأساسية، التي لا بد للحركة من مواجهتها، مرتبطة بسؤال أساسي يتلخص بالآتي: عن أي حركة يدور الحديث في فلسطين حيث تتجه "حماس"، التي انتصرت في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، الى تشكيل حكومة برئاسة السيد اسماعيل هنية الآتي من غزة؟ هل يمكن للمجتمع الفلسطيني أن يتقبل رئيساً للوزراء لا علاقة له بما يدور في العالم فيما هناك آلاف الفلسطينيين القادرين على أن يكونوا في مواقع ذات طابع دولي أكان ذلك في الشركات العالمية الكبرى أو في المؤسسات التابعة للأمم المتحدة أو في أي من المؤسسات الدولية كصندوق النقد أو البنك الدولي...؟
هناك بالفعل تراجع على الصعيد الفلسطيني في حال أخذنا في الاعتبار أن المعركة مع المحتل الإسرائيلي معركة حضارية قبل أي شيء آخر. كان في استطاعة الجانب الفلسطيني أيام ياسر عرفات التفاخر بأن لديه نسبة من المتعلمين وخريجي الجامعات تفوق النسبة التي لدى أي مجتمع عربي آخر، بما في ذلك لبنان. وقد يكون ذلك صحيحاً كما قد لا يكون، إلا أن الكلام في هذا الموضوع يشير الى وجود هاجس معين مرتبط الى حد كبير بالقدرة على تطوير المجتمع. وفي إحدى المرات، ذهب ياسر عرفات الى حد المبالغة عندما ذكر أن بين الفلسطينيين كفاءات في المجال العلمي تفوق النسبة التي لدى إسرائيل. وكان الزعيم الفلسطيني الراحل يحمل دائماً في جيبه ورقتين دوّن على الأولى عدد خريجي الجامعات من الفلسطينيين مع تركيز على عدد مهندسي الكومبيوتر، فيما كانت الأخرى الجنيه الفلسطيني وهو العملة التي كان معمولاً بها في فلسطين قبل الانتداب. كان يفكر في أمرين: المجتمع المثقف المرتبط بما يدور في العالم من جهة، والاقتصاد من جهة أخرى. وكانت العملة الفلسطينية أفضل تعبير عن الاقتصاد المزدهر الذي كان "أبو عمار" يصر على أنه كان موجوداً قبل رحيل الانتداب وإقامة دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية.
هل في استطاعة "حماس التفكير بالبعد الحضاري للقضية الفلسطينية عندما ستشكل حكومتها الأولى، أم أنها ستكتفي بالحديث عن نظافة الكف الذي ميّز قيادييها والفساد الذي ميّز الآخرين في محاولة للنيل من الحكومات التي شكلتها "فتح" في السنوات العشر الأخيرة؟ في حال كانت "حماس" تريد أن تكون صادقة مع نفسها، لا بد أن تتذكر أن "فتح" خرجت أصلاً من رحم حركة الاخوان المسلمين، لكنها تطوّرت. واستطاع ياسر عرفات، بغض النظر عن كل الأخطاء التي ارتكبها وهي كثيرة لا تحصى، وضع فلسطين على الخريطة السياسية للمنطقة مستعيناً قبل كل شيء بالوجه الحضاري لفلسطين وبنساء فلسطين وبالبندقية وغصن الزيتون في آن. أبرز ياسر عرفات الوجوه الفلسطينية التي يقبلها العالم وهي الوجوه التي حاربتها إسرائيل في كل الميادين من دون هوادة. إنها الوجوه التي أدخلت القضية الفلسطينية الى البيت الأبيض والى كل عاصمة أوروبية. ومن يقرأ الخطاب الذي ألقاه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عباس (أبو مازن) في جلسة تنصيب أعضاء المجلس التشريعي الجديد يدرك أن الرجل يرفض في أي شكل التخلي عن البعد الحضاري للمعركة مع الاحتلال، خصوصاً عندما يتحدث عن دور المرأة الفلسطينية وحقوقها وعن أهمية القطاع التعليمي. إنه يدرك أن المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي معركة سياسية أولاً وأن الوجه الحضاري للمعركة هو الوجه الأهم فيها. إنه يدرك أن للمجتمع الفلسطيني نسيجاً خاصاً به وأن لا مفر من المحافظة على هذا النسيج إذا كان مطلوباً الانتصار على إسرائيل. هل في استطاعة "حماس" إدراك هذه المعطيات والتكيّف مع ما يدور في المنطقة والعالم، أم ستكتفي بالاتيان بشخصيات لا قدرة لها على استيعاب أن فلسطين ليست قضية أرض محتلة وشعب اغتصبت حقوقه فحسب، بل إنها قضية حضارية أيضاً وأن الانتصار على إسرائيل ليس ممكناً من دون إدراك البعد الحضاري للمعركة؟ الأكيد أن "حماس" لم تدرك ذلك بعد، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار شخصية رئيس الوزراء الجديد. مع الوقت قد تتطور الحركة، وفي انتظار حصول ذلك ومن أجل تفادي كارثة جديدة، فإن أفضل ما يمكن أن تفعله "حماس" هو الانصراف الى ترتيب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، عبر الاهتمام بالخدمات، إذا فعلت ذلك، تكون أدت أكبر خدمة لفلسطين، وإذا لم تفعل، سنترحم بكل تأكيد على أخطاء "أبو عمار" و"أبو مازن" وكل ما هناك من أبوات مروا على "فتح" بما في ذلك الذين انشقوا عنها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00