كان مفيداً أن يتحدث الرئيس بوش الابن في خطابه السنوي عن حال الاتحاد عن ضرورة التخلص من اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط. كذلك، كان مفيداً قوله بصريح العبارة أن "أميركا مدمنة على النفط الذي غالباً ما تستورده من مناطق غير مستقرة في العالم". وهذا يعني أن شكواه الأولى هي من غياب الاستقرار في المنطقة العربية والخليج. قبل كل شيء ان تخفيف أميركا من اعتمادها على نفط الشرق الأوسط ونفط الخليج تحديداً ليس في مصلحة القوة العظمى الوحيدة في العالم فحسب، بل هو في مصلحة الدول المنتجة أيضاً التي تبدو في حاجة الى المحافظة على ثرواتها لأطول مدة ممكنة. إضافة الى ذلك، ان الدول المنتجة للنفط تجد مصلحة في تطوير مصادر بديلة من النفط والغاز، ربما، نظراً الى أنها في حاجة الى تنويع الاقتصاد وعدم تركه تحت رحمة النفط الذي لا بد أن ينضب يوماً. وفي استطاعة هذه الدول أيضاً المشاركة في انتاج الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية على سبيل المثال وتصبح بذلك قادرة على المشاركة في المحافظة على البيئة من جهة ولعب دور في مجال تخليص العالم الصناعي من عقدة النفط وأسعار النفط من جهة أخرى.
ما لم يقله الرئيس الأميركي هو كيف سيعمل على ترسيخ الاستقرار في المناطق الغنية بالنفط والتي تعتمد بلاده عليها في الحصول على هذه المادة وفي الدول المحيطة بها. الأكيد أن بوش الابن يقصد منطقة الخليج تحديداً التي فيها نحو سبعين في المئة من احتياطات الطاقة في العالم. المؤسف أن إدارته لم تعمل حتى الآن شيئاً من أجل الاستقرار في العالم وفي تلك المنطقة تحديداً. كل ما فعلته أنها لعبت دوراً في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط كله. والدليل على ذلك أنه لا يوجد الى الآن ما يشير الى رغبة أميركية حقيقية في النظر الى الوضع الاقليمي بطريقة توحي بأن هناك من هو قادر بالفعل على القيام بعملية نقد ذاتية في العمق تؤدي الى إصلاح السياسة الأميركية.
قبل الشكوى من اعتماد الولايات المتحدة على النفط وضرورة الاستغناء عنه بعد بضع سنوات، ثمة حاجة الى أن يتذكر الرئيس الأميركي أن كل أزمات المنطقة مترابطة في ما بينها وأن كل ما فعلته إدارته حتى الآن كان ارتكاب سلسلة من الأخطاء لم تخدم سوى المستفيدين من غياب الاستقرار أولئك الذين يناصبون السياسة الأميركية والاستقرار العداء علناً. ألا تتحمل السياسة الأميركية مسؤولية وصول الوضع في العراق الى ما وصل إليه؟ لقد أحسنت إدارة بوش الابن في إصرارها على التخلص من نظام صدام حسين العائلي ـ البعثي، ولكن ما الذي يبرر ارتكاب كل هذه الأخطاء بمجرّد انهيار النظام وتحوّل العراق الى منطقة نفوذ إيرانية لا أكثر ولا أقل. أوليس الانتصار الايراني في العراق الذي أمنه الأميركيون وراء تلك القدرة الايرانية على الدخول في عملية تحد للمجتمع الدولي كله بمجرّد طرح موضوع البرنامج النووي الايراني؟ كل ما في الأمر أن الولايات المتحدة خاضت في العراق حرباً من أجل تحويل إيران القوة المهيمنة على المنطقة. وإلا ما هو التفسير المنطقي للقرارات التي اتخذت بعد سقوط بغداد والتي صبت كلها في مصلحة النظام الايراني؟ كيف يمكن على سبيل المثال اتخاذ قرار بحل الجيش العراقي ثم الشكوى من غياب أي توازن عسكري في المنطقة بعد إخراج القوة العسكرية العراقية من المعادلة الاقليمية؟ كل ما أقدمت عليه الادارة الأميركية في السنوات الأخيرة صب في زعزعة الاستقرار الاقليمي. وانعكس ذلك في طبيعة الحال على أسعار النفط التي بلغت مستويات لا سابق لها.
يفترض في الرئيس الأميركي أن يعيد حساباته أخذاً في الاعتبار أنه لا توجد دولة في المنطقة على استعداد للاعتماد على الوعود الأميركية ولا يوجد زعيم معتدل على استعداد لتسليم الولايات المتحدة كل أوراقه. كل ما في الأمر أن الناس العاديين في المنطقة باتوا يعون أن كلام بوش الابن لا يعني الكثير وأن إدارته مسؤولة جزئياً عن كل الكوارث التي حصلت حتى الآن بما في ذلك كارثة انتصار "حماس" في الانتخابات الفلسطينية.
إن بوش الابن هو آخر من يحق له الشكوى من حال عدم الاستقرار في المنطقة، لا لشيء سوى لأن الشكوى لا تعني شيئاً. ما يمكن أن يعني شيئاً الاعتراف بالأخطاء وحصول تغيير جوهري في السياسة الأميركية خصوصاً في العراق وفلسطين. من دون ذلك لا يستطيع المواطن العربي إلا أن يقرأ خطاب بوش الابن عن حال الاتحاد من زاوية واحدة. إنه خطاب للاستهلاك الداخلي لا أكثر ولا أقل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.