8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حماس" وعدم وجود الشريك الفلسطيني

ليس مفهوماً ما الذي تريده "حماس" بعد الانتصار الذي حققته في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، خصوصاً أن السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة الذي عقد مؤتمراً صحافياً في دمشق بعد أربع وعشرين ساعة من إعلان النتائج يقول الشيء وعكسه في آن. يقول مثلاً ولكن بشكل غامض، ان "حماس" ستحترم الاتفاقات التي توصلت إليها السلطة الوطنية الفلسطينية مع الآخرين وستتعامل بواقعية مع اتفاق أوسلو. ثم يقول ان الحركة مصممة على تحرير كل فلسطين رافضاً الاعتراف بالبرنامج الوطني الذي تستند إليه منظمة التحرير الفلسطينية والقائم على مبدأ الأرض في مقابل السلام.
لم يكن مشعل سلبياً مئة في المئة في مؤتمره الصحافي. وكانت لديه نقطة مهمة عرف كيف يستغلها الى أبعد حدود تتلخص بأن اسرائيل رفضت إعطاء شيء للسلطة الوطنية الفلسطينية وأصرت على استخدام الارهاب بغية إدامة الاحتلال وتكريسه. وقد جاءت "حماس" الآن بطريقتها لتحرير الأرض بعد فشل الطريقة التي اعتمدتها منظمة التحرير والسلطة الوطنية. إنه طرح ذكي الى حد كبير في حال لم تأخذ الحركة في الاعتبار أن لدى اسرائيل حالياً مشروعها الاستعماري الذي يتكل الى حد كبير على ترسيخ فكرة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه لدى المجتمع الدولي.
كان القرار الخاطئ بعسكرة الانتفاضة بمثابة مبرر استخدمته الحكومة الاسرائيلية برئاسة ارييل شارول من أجل القول للعالم أن لا شريك فلسطينياً يمكن التفاوض معه. وكان ملفتاً في تلك المرحلة التي امتدت بين أواخر العام 2000 والعام 2004 حين توفي الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها غامضة، أن شارون ركز على تدمير كل المؤسسات الفلسطينية. وكان واضحاً أن الرد الاسرائيلي على العمليات الانتحارية التي تولت تنفيذها "حماس" والمنظمات الأخرى على شاكلتها مثل "حركة الجهاد الاسلامي" كان رداً يستهدف أولاً أجهزة الأمن الفلسطينية أو مراكزها. كان مهماً بالنسبة الى اسرائيل القضاء على كل ما يمكن أن يشكل رمزاً للسلطة الوطنية الفلسطينية. أما الرد على "حماس" وعملياتها، فلم يأت إلا في وقت لاحق بعد التأكد من القضاء على مؤسسات السلطة الفلسطينية. وقد شمل ذلك مقر ياسر عرفات والرجل نفسه الذي لم يعرف في حينه كيف يدير المعركة وسقط بدوره في الفخ الاسرائيلي غير مدرك أن ما حققه منذ توقيع اتفاق أوسلو كان كبيراً، بل كبيراً جداً، الى حد أن ارييل شارون الذي حوّل معركته مع "أبو عمار" الى معركة شخصية، لم يكن يرى سوى كيف العمل على ألا تقوم لأوسلو قيامة.
قبل الحديث عن فشل السلطة الوطنية عموماً وفشلها في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني تحديداً، يفترض في "حماس" أن تأخذ في الاعتبار مرحلة السنوات الخمس الأخيرة التي سبقت وصولها الى الحصول على الأكثرية في المجلس التشريعي الفلسطيني، اثر انتخابات أجريت بموجب اتفاق أوسلو الذي تبيّن أنه استطاع، الى حد ما، الصمود في وجه الهجمة التي شنّها عليه ارييل شارون، إنها حملة شاركت فيها الحركة بدور فعال أيضاً وكانت حليفاً لشارون من حيث تدري أو لا تدري.
في النهاية، هناك مشروع اسرائيلي يستهدف تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشريف، العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية المستقلة ورسم الحدود النهائية للدولة اليهودية من جانب واحد. هذا المشروع يقوم على متابعة بناء "الجدار الأمني" بحجة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. هل لدى قادة "حماس" ما يكفي من الشجاعة لأخذ هذا الواقع في الاعتبار؟ أم أن الحركة صارت في واد آخر مرتبط الى حد كبير بإدامة الصراع واستمراره إما من اجل التحرير الكامل أو من اجل ابقاء الصراع مشتعلاً لاسباب غير واضحة. إنه في النهاية مشروع يصب في تحويل الشعب الفلسطيني وقوداً في حروب لا علاقة له بها. وهذا المشروع يصب في مخططات ليس معروفاً أولها من آخرها. الشيء الوحيد الأكيد أن هذه المخططات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالشعب الفلسطيني. وفي حال أدت "حماس" الدور المطلوب منها في إطار هذه المخططات، وقد أدته الى الآن بجدارة، ستكتشف قريباً أنها لم تكن بعيدة عن لعب دور الأداة في خدمة فكرة أن لا وجود لشريك فلسطيني تستطيع اسرائيل التفاوض معه. هل هناك مَنْ تخدمه هذه الفكرة غير المشروع الاستعماري الاسرائيلي الجديد الذي بدأ التنفيذ العملي له بالانسحاب من غزة... هذا الانسحاب الذي تعتبره "حماس" انتصاراً للمقاومة علماً بأن شارون كان يعتبره انتصاراً له فقط.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00