لم يكن في أي لحظة خوف على الكويت ما دام هناك صمّام أمان اسمه الدستور وما دامت هناك أسرة تعرف تماماً أن هناك عقداً بينها وبين الشعب الكويتي يفرض عليها قبل كل شيء اختيار الأفضل ليكون في الموقع الأول. وهكذا كان، جرى الاحتكام إلى الدستور وأصبح الشيخ صباح الأحمد أميراً جديداً للبلد بعدما عزل مجلس الأمة الشيخ سعد العبدالله.
جاء عزل الشيخ سعد تعبيراً عن تقدير الكويت والكويتيين للرجل الذي لعب دوراً أساسياً في السنوات الأخيرة في خدمة البلد خصوصاً خلال فترة الاحتلال العراقي. لم يشأ مجلس الأمة أن يُظلم الرجل الذي واجه العدوان العراقي بصلابة ليس بعدها صلابة وعمل من دون كلل على دحره وضمان تشكيل التحالف الدولي الذي سمح للكويت باستعادة حريتها وسيادتها بعد دحر الاحتلال.
شاء مجلس الأمة الكويتي ومعه حكماء البلد من داخل العائلة وخارجها تكريم الشيخ سعد فحالوا دون استمراره أميراً في ظل الظروف الصحية التي يعاني منها، وبقيت راسخة في ذهن الكويتيين الصورة المشرقة عن الرجل الذي خدم بلده بكل إخلاص سنوات طويلة خصوصاً عندما كان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء قبل أن يُقعده المرض.
كانت الأزمة التي مرت بها الكويت عابرة، وكانت دليلاً على الحيوية السياسية في البلد الذي اختار أن تكون تجربته مبنية على الممارسة الديموقراطية. لم تكن هناك أسرار في الكويت. كان كل شيء واضحاً. توفي الأمير الشيخ جابر الأحمد قبل أيام فخلفه ولي عهده الشيخ العبدالله. ولما تبين أن صحة الشيخ سعد لا تسمح له بتولي المسؤوليات المترتبة على موقعه الجديد، بادر مجلس الأمة إلى عزله بعدما طالت عملية الأخذ والرد داخل الأسرة. ما هو طبيعي حدوثه في أي بلد متحضر ذي تجربة ديموقراطية، حصل بشكل أكثر من طبيعي في الكويت.
وحصل بعد ذلك ما هو أكثر من طبيعي أي أن يكون الشيخ صباح الأحمد الأمير الجديد للكويت.
ما يمكن قوله باختصار إن الشيخ صباح الأحمد يعتبر الرجل المؤهل للموقع ليس لأنه صاحب خبرة فريدة بين المسؤولين في المنطقة فحسب، بل لأنه قادر على نقل الكويت إلى مرحلة جديدة تجعلها على تماس مباشر مع المستقبل أيضاً. لقد لعب الشيخ صباح الأحمد في العقود الخمس الأخيرة أدواراً كثيرة إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الإقليمي أو على الصعيد الدولي.
إلا أن الدور الأهم للشيخ صباح يظل ذلك الذي اضطلع به في مجال تأسيس الديبلوماسية الكويتية. إنه دور يجعل من الرجل مدرسة في حدّ ذاته.
لم يكن الشيخ صباح مجرد وزير للخارجية منذ العام 1963 عندما تسلم هذا المنصب للمرة الأولى وبقي فيه سنوات طويلة، بل كان طوال تلك الفترة الممتدة حتى التسعينات واحداً من أبرز وزراء الخارجية في العالم. لقد أستطاع بكل بساطة أن يجعل من الكويت لولباً سياسياً على أكثر من محور وكان يمتلك جرأة كبيرة في مجال إقامة علاقات مع كل الدول والتكتلات من دون أي نوع من العقد. كانت الكويت في كل مكان، في افريقيا السوداء تساهم في دعم القضية الفلسطينية وفي أنحاء العالم العربي تسعى إلى حلول عربية للمشكلات العربية وفي موسكو عندما كان يرفرف العلم الأحمر في عزّ قوة الاتحاد السوفياتي وجبروته.. كانت الكويت في الشرق والغرب في آن.
كان للرصيد الذي بناه الشيخ صباح في العالم دور في حماية الكويت عندما حاول صدام حسين محوها عن الخريطة، فقد سارع العالم إلى نجدة البلد الصغير الذي تعرض للغدر في العام 1990. صحيح أن الصفعة الأولى التي تلقاها صدام كانت من الكويتيين أنفسهم إذ لم يجد مواطناً كويتياً يقبل التعاون مع الاحتلال، لكن الصحيح أيضاً أن الاستثمار الكويتي في بناء علاقات مع كل القوى والتكتلات العالمية سهّل عملية تشكيل التحالف الدولي الذي خاض حرب تحرير الكويت.
بقيت الكويت وفيّة لرجالها، وهي تعطي الآن صباح الأحمد، الذي يكنّ محبة خاصة للبنان، ما يستحقه بعدما كان بدوره وفيّاً لها. لم يتخل الرجل يوماً عن الكويت، لم يتخل عن العقد بين الأسرة وبين الشعب الكويتي، ولم يتخل عن الديموقراطية التي هي جزء لا يتجزأ من تجربة الكويت. ولم يتخل خصوصاً عن السعي إلى ربط الكويت بكل ما هو حضاري بدليل ما حققه في السنوات الثلاث الأخيرة التي كان فيها رئيساً للوزراء. يكفي أنه دفع في اتجاه صدور قانون جديد يحفظ حقوق المرأة ويسمح لها بالانتخاب والترشح للانتخابات. ويكفي أنه عمل من أجل صدور قانون جديد للإعلام يضع الكويت في مرتبة متقدمة على هذا الصعيد. إنه رجل عصري بكل معنى الكلمة يدرك أن الكويت جزء من العالم المتحضر وأن المحافظة على هذا الموقع تحتاج إلى جهد يومي وإلى الكثير من الشجاعة. الأكيد ليست الشجاعة التي تنقص الشيخ صباح ولا الفكر المستنير.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.