في النهاية لماذا الهرب من السؤال الأساسي الذي يتلخص بالآتي: هل يستطيع النظام السوري التعاون مع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أم لا؟
يصعب على هذا النظام التعاون لأنه متورط في الجريمة الى ما فوق أذنيه، ولذلك يبحث عن مخرج يعفيه من التعاون خصوصاً أن المطلوب في المرحلة المقبلة عقد لقاء بين أعضاء في لجنة التحقيق الدولية ذات المهمة الواضحة التي حددها لها مجلس الأمن من جهة والرئيس بشار الأسد من جهة أخرى.
كلما مر يوم يكتشف النظام السوري، الذي عكس اغتيال رفيق الحريري الأزمة التي يمر بها منذ فترة طويلة، أن المخرج الوحيد بالنسبة إليه هو افتعال مشاكل في لبنان تمهيداً لتفجير الوضع فيه والقول للعالم ان هذه نتيجة استمرار الضغط على دمشق من أجل التعاون مع التحقيق الدولي. إنها لعبة أقل ما يمكن أن توصف به أنها مكشوفة، وهي في الوقت ذاته لعبة تنتمي الى عصر آخر كان يستطيع فيه النظام السوري أن يهدد ويبتز بغية الوصول الى صفقة يرضخ فيها العرب والعالم لمطالبه في لبنان ولرغبته في استخدام البلد "ساحة" لتصفية حساباته مع الآخرين... من عرب وغير عرب.
بعد سلسلة الاغتيالات التي ذهب ضحيتها عرب شرفاء أولاً هم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني، وبعد محاولات الاغتيال التي تعرض لها مروان حمادة والياس المر ومي شدياق، وبعد سلسلة التفجيرات التي استهدفت مناطق معينة ذات أكثرية مسيحية، جاء الآن دور تفجير ألغام أخرى بدءاً بتلك المزروعة داخل الحكومة أو خارجها وذلك بغية تغطية الدور الذي لعبه النظام السوري في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وارتكاب الجرائم التي حصلت في مرحلة ما بعد فرض التمديد للرئيس اميل لحود بدءاً بمحاولة اغتيال مروان حمادة وانتهاء باغتيال الزميل جبران تويني.
المهم تغطية الجريمة والدور السوري فيها، وهو دور أكده نائب الرئيس السوري السابق السيد عبد الحليم خدام الذي لا يمكن لعاقل الشك في امتلاكه معلومات دقيقة وصحيحة في آن في شأن ما يدور في الداخل السوري وطريقة اتخاذ القرار منذ خلف بشار الأسد والده في العام 2000. ما يفعله "حزب الله" حليف النظام السوري في لبنان والذي يمثل في واقع الأمر أداة إيرانية يندرج في إطار تأزيم الوضع في لبنان بغية الوصول الى هدف وحيد يتمثل في نقل الأزمة من دمشق الى بيروت. هذا الحزب الذي يتذرع بالوصاية الأميركية على القرار اللبناني لا يقول لنا لماذا سكت دائماً عن الدور الايراني في دعم الحرب الأميركية على العراق؟ هل أن الابليس الأميركي صار ابليساً لطيفاً في العراق لأنه خلص العراقيين من النظام العائلي ـ البعثي الذي هو في الواقع نظام المقابر الجماعية، فيما هذا الابليس نفسه صار مطلوباً أن يقاوم لمجرد أنه دعم في مجلس الأمن قرارات تدعو الى كشف الحقيقة في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه؟
يمكن لأي عربي أن تكون له مآخذ كثيرة على السياسة الأميركية. إلا أن المستغرب السكوت عن هذه السياسة حيث تخدم مصالح النظام الايراني والتوجه المذهبي للنظام والتركيز على لبنان حيث المأخذ الحقيقي لـ"حزب الله" على واشنطن يعود الى عدم رغبتها في دعم النظام السوري في سعيه الى تغطية الجريمة.
في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستزداد حملة "حزب الله" وغيره من الهاربين من الحقيقة والساعين الى إيجاد مخرج للنظام السوري من أزمته على لبنان واللبنانيين. وما التظاهرة التي جرت وسط بيروت لدى وصول ديفيد والش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية الى السراي الكبير قبل أيام سوى رسالة أخرى الى كل لبناني يصر على الحقيقة ومعرفة من ارتكب كل هذه الجرائم في حق لبنان واللبنانيين بدءاً بالتمديد لرئيس الجمهورية. فحوى هذه الرسالة أن لبنان لن تقوم له قيامة في حال أصرت حكومته على الوصول الى الحقيقة عن طريق التحقيق الدولي... وأن على والش وغير والش التوجه الى دمشق وليس الى بيروت ليصير الابليس الأميركي ابليساً لطيفاً.
في هذا المجال، مجال السعي الى إخفاء الحقيقة، يفترض في "حزب الله" وغيره من الخائفين على النظام السوري الذين يتباكون على المتظاهرين الذين سعوا الى التخريب ولا شيء غير التخريب في وسط بيروت، ألا يغيب عن بالهم أن مشكلة النظام السوري ليست مع لبنان واللبنانيين فحسب، إنها أيضاً مع المجتمع الدولي، إنها مع المجتمع الدولي أولاً... والدور الوحيد الذي تلعبه الحكومة بدعم من اللبنانيين والعرب الشرفاء الذين لا يخدمون اسرائيل من حيث يدرون أو لا يدرون، والأرجح أنهم يدرون، يتمثل في تسهيل الوصول الى الحقيقة لا أكثر ولا أقل. والباقي تفاصيل مثل كل الأسئلة الأخرى التي تتجاهل السؤال الأساسي الذي يختصر الى حد كبير أزمة النظام السوري والذي لا بد من طرحه مجدداً: هل في استطاعة النظام السوري التعاون مع التحقيق الدولي؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.