8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

.. إنها السنة الأهم منذ الاستقلال!

لم تكن السنة 2005 مجرّد سنة عادية في تاريخ لبنان الحديث. كانت أهم سنة تمر على البلد منذ نيله استقلاله في العام 1943. كانت سنة اغتيال الشهيد رفيق الحريري الذي تحوّل الى رمز للاستقلال والسيادة والحرية والعروبة الصادقة في زمن صارت العروبة الصادقة عملة صعبة... حتى لا نقول أكثر من ذلك. كانت 2005 السنة التي تعرّض فيها لبنان الوطن لمحاولة اغتيال استهدفت الانتهاء منه كدولة مستقلة قادرة على أن تلعب دوراً طليعياً على الصعيد الاقليمي في مواجهة الدور الاسرائيلي الساعي الى الهيمنة على المنطقة وإدخالها في أتون التناحر الطائفي والمذهبي على غرار ما يشهده العراق حالياً. ولذلك يندرج اغتيال رفيق الحريري في سياق لعبة واضحة لا هدف لها سوى خدمة اسرائيل. والمؤسف أن الذين نفذوا الجريمة من الناطقين بالعربية يعملون في النهاية في خدمة اسرائيل من حيث يدرون أو لا يدرون. والأرجح أنهم يدرون! والدليل على أنهم يدرون أن الحلم الذي يراودهم يومياً التوصل الى صفقة مع الادارة الأميركية تعيدهم الى لبنان كما لو أن اغتيال رفيق الحريري لم يحصل.
كانت سنة 2005 سنة مفصلية في تاريخ لبنان. تبيّن بما لا يدع للشك مجالاً أن البلد قابل للحياة وأنه ليس بلداً مصطنعاً كما تخيّل النظام السوري الذي اضطر الى سحب قواته من الأراضي اللبنانية نتيجة انتفاضة الاستقلال التي قادها المسلمون قبل المسيحيين، أولئك الذين ملأوا شوارع بيروت يوم 14 آذار وقالوا بالفم الملآن أن لبنان يريد الحرية والاستقلال ويرفض الوصاية وحكم المافيات، إن لبنان هذا الذي أخرج القوات السورية من لبنان هو لبنان رفيق الحريري، لبنان الرافض للظلم والقهر والتفاهة، لبنان الرافض لأن يكون مجرّد "ساحة" تصفى فيها الحسابات الاقليمية على حسابه.
دفع لبنان ثمناً غالياً بسبب وقوفه في وجه نظام الوصاية وجعله يعود الى رشده واقناعه بأن لبنان المزدهر القوي يعني أن سوريا ستكون مزدهرة وقوية وأن في المنطقة مكاناً لأكثر من دولة مزدهرة وأن التجربة اللبنانية بغناها وتنوّعها يمكن أن تعود بالفائدة على الآخرين بما في ذلك على سوريا، في حين أن لبنان البائس سيعود بالخراب على الجميع. تلك هي المعادلة التي لم يفهمها النظام السوري الذي يظل، مهما حاول ومهما فعل، في دائرة الاتهام في قضية اغتيال رفيق الحريري، أقله بصفة المسيطر على كل شاردة أو واردة في الأراضي اللبنانية لدى وقوع الجريمة.
كانت السنة 2005 لبنانياً سنة اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط من تلك السنة. وقبل ذلك تعرّض مروان حمادة لمحاولة اغتيال. وبعد رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، اغتيل سمير قصير وجورج حاوي كما تعرّض الوزير الياس المر لمحاولة اغتيال، كذلك الزميلة مي شدياق. وأخيراً اغتيل جبران تويني من دون أن يعني ذلك أن المسلسل سيتوقف. ولكن إذا كان من درس يستطيع النظام السوري تعلمه من كل المآسي التي ارتكبها في لبنان، فإن هذا الدرس يتلخص بأنه لن يكون قادراً في أي وقت على الهرب من الحقيقة. ستلاحقه الحقيقة الى النهاية. لن ينقذه تحالفه مع "حزب الله" من ذيول الحقيقة. ولن تفيده النكتة السمجة التي اسمها "الجنرال" التي لم تعد تنطلي على أحد.
لنبسط الأمور الى النهاية. كل ما في الأمر أن حسابات الذين اغتالوا رفيق الحريري لم تتفق مع الواقع الذي شاؤوا تجاهله. لم يكن رفيق الحريري شخصاً عادياً من جهة كما أن العالم تغيّر من جهة أخرى. لا صفقات على حساب لبنان ولا مكان للفكرة التي يحاول بعضهم الترويج لها من منطلق أن سوريا بخروجها من لبنان عسكرياً دفعت ثمن دم رفيق الحريري. والحقيقة التي يفترض في النظام السوري مواجهتها تتلخص بأن مشكلته ليست مع لبنان واللبنانيين وأنه يستطيع الاستمرار في تخريب لبنان، بما يخدم اسرائيل ولا أحد غير اسرائيل، الى ما لا نهاية، إلا أن ذلك لن يفيده في شيء نظراً الى أن مشكلته مع المجتمع الدولي وليس مع لبنان، يعض اللبنانيون على الجرح وهم يدركون جيداً أن آخرين على طريق الشهادة، إلا أن لا تراجع عن الاستقلال والحرية، لا تراجع عن الحقيقة التي لا تصب في مصلحتهم فحسب، بل لأن الحرية أفضل خدمة تقدم أيضاً لسوريا والسوريين والعرب الحقيقيين الذين يدركون أن المعركة مع العدو الاسرائيلي معركة حضارية قبل أي شيء آخر.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00