ليس طبيعياً الافراط في التفاؤل بعد الانتخابات العراقية الأخيرة. صحيح أن هذه الانتخابات شكلت خطوة كبيرة الى أمام أظهرت مرة أخرى مدى استعداد الشعب العراقي لتحدي الارهاب والارهابيين والتوجه إلى صناديق الاقتراع على الرغم من كل العوائق. لكن الصحيح أيضاً أن الانتخابات أظهرت إلى أي حد يبدو الشعب العراقي منقسماً على نفسه إلى درجة يصعب معها الحديث في المستقبل المنظور عن مجتمع عراقي موحد.
اظهرت الانتخابات بوضوح أن الشعب العراقي بات منقسماَ انقساماً عميقاً على أسس طائفية وعرقية. أكثر من ذلك، باتت مطروحة على نحو جدي مسألة وحدة العراق مستقبلاً وكيف يمكن المحافظة عليها بغض النظر عن التفاؤل الأميركي، وهو تفاؤل في غير محله، اللهم الا اذا وضعنا جانباً مصلحة ادارة الرئيس بوش الابن التي سارعت الى التمجيد بالانتخابات من منطلق انها انتصار عظيم ليس بعده انتصار، وكان أن الرئيس الأميركي تحدث ثلاث مرات في اسبوع واحد عن الانتخابات العراقية مشدداً على أنها منعطف على صعيد مستقبل البلد نفسه والمنطقة. لكن الأحداث ما لبثت أن كذبت توقعات الرئيس الأميركي بعدما تبين أن هناك شكوى حقيقية لدى اهل السنة العرب من العملية الانتخابية في مجملها، وترتدي هذه الشكوى أهمية خاصة على صعيدين، يتمثل الأول في انه صار من حق أهل السنة، ومعهم أنصار اللائحة التي يتزعمها الدكتوراياد علاوي ذات الطابع الذي يتجاوز الانقسامات المذهبية، الشكوى بعدما شاركوا في الانتخابات بدل مقاطعتها، اما الصعيد الثاني فإنه يتمثل في استمرار الارهاب الذي يمارس باسم المقاومة عبر التنظيمات التي تؤمن بالتفكير التكفيري احياناً وباسم ميليشات تابعة لأحزاب شيعية عراقية في أحيان أخرى. وهذا يعني أن الانتخابات لم توفر مزيداً من الأمن والأمان والاطمئنان للعراقيين بغض النظر عن المذهب الذي ينتمون اليه.
بكل بساطة، شكلت الانتخابات مصدر ارتياح لادارة بوش الابن التي استطاعت استخدامها على الصعيد الداخلي وتوظيفها في عملية رفع شعبية الرئيس. وهذا الارتفاع في الشعبية يحدث للمرة الأولى منذ أشهر عدة. اضافة الى ذلك، استطاعت الادارة أن ترسل نائب الرئيس ديك تشيني إلى بغداد في اشارة واضحة الى أنها كانت على حق في خوض حرب العراق من منطلق ايديولوجي، على الرغم من اعتراف الرئيس نفسه بأن التقارير التي اعدتها أجهزة الاستخبارات الأميركية عن امتلاك نظام صدام حسين اسلحة للدمار الشامل لم تكن صحيحة.
يعتبر نجاح الانتخابات، أقله من الناحية الشكلية، انتصاراً للادارة الأميركية يسمح لها بتجاوز أي اعتبار آخر بما في ذلك تلفيق الاتهامات لنظام صدام الذي يستأهل أصلاً التخلص منه بصفة كونه نظام المقابر الجماعية التي راح ضحيتها شعبه أولاً، ذلك النظام الناكر للجميل الذي سعى إلى الغاء دولة عربية جارة هي الكويت. ولكن ما يتبين من التجربة أن ما تعتبره أميركا نجاحاً لها قد لا يعني في الضرورة نجاحاً للعراق والعراقيين. تكمن المفارقة في أن النجاح الأميركي في العراق قد لا يعني بالضرورة أن العراق والعراقيين في وضع أفضل. كيف يمكن أن يحصل ذلك فيما الانتخابات لم تأت بأي جواب واضح في شأن مستقبل العراق؟
والأجوبة المطلوبة مرتبطة الى حد كبير بمدى النفوذ الذي ستمارسه ايران على البلد ومدى قدرة السلطات الجديدة. هذا اذا كانت هناك سلطات جديدة ذات طابع عراقي واضح، على الحد من الارهاب الذي تمارسه التنظيمات التكفيرية التي تنتمي الى "القاعدة" وأشباه "القاعدة" وهي تنظيمات تلقى للأسف الشديد دعماً من دول وقوى مجاورة للعراق وتظن أن في استطاعتها ابتزاز الادارة الأميركية بهذه الطريقة.
الى الآن، كانت النتيجة الايجابية الوحيدة للعملية العسكرية الأميركية في العراق التخلص من نظام صدام حسين العائلي ـ البعثي، ما حصل بعد ذلك كان بمثابة دخول في المجهول، هذا اذا وضعنا جانباً ان تفكيك الدولة العراقية غيّر الخريطة السياسية للشرق الأوسط في انتظار تغيير الخريطة الجغرافية للمنطقة. والثابت حتى اللحظة، في حال تبين أن الأحزاب الدينية ستهيمن على البرلمان العراقي الجديد الذي ولايته أربع سنوات، ان الحرب الأهلية التي دخلها البلد لا تزال في بدايتها وأن من المبكر الحديث عن مخارج، اللهم إلا اذا استطاعت الأحزاب الدينية فرض هيمنتها على البلد بالطريقة نفسها التي فرض فيها رجال الدين هيمنتهم على ايران، اين مشكلة الادارة الأميركية في ذلك ما دامت شعبية بوش الابن عادت الى الارتفاع بحجة أن انتخابات جرت في العراق وما دام لا يوجد، اقله الى الآن، تهديد مباشر لحقول النفط في البلد. انها حقول ستكون قابلة للتطوير ومزيد من الانتاج بغض النظر عما اذا كان العراق في حرب أهلية أم لا... بغض النظر عما اذا كان سيبقى العراق موحداً أم لا... بغض النظر عما اذا كان سيبقى له بعض الارتباط بالعرب وما بقي من عروبة أم لا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.