8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حماس" واجهة الشعب الفلسطيني؟

أبعد من الانقسامات داخل "فتح" وما أدت إليه من شرخ عميق بين الحرس القديم الذي جاء معظمه من الخارج مع عودة الراحل ياسر عرفات إلى الأرض الفلسطينية نتيجة توقيع اتفاق أوسلو وشباب الحركة، لا بد من التشديد على ما هو على المحك: مستقبل القضية الفلسطينية.
لا حاجة إلى تكرار أن الانتخابات التشريعية الفلسطينية المتوقعة منتصف الشهر المقبل ليست مجرد انتخابات عادية في حال استمرت الانقسامات في "فتح" والتقدم المطرد الذي تحققه "حماس" مستفيدة من عوامل كثيرة. بين هذه العوامل الأداء السيّئ لمؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وامتلاكها قدرات مالية كبيرة تمكنها من تقديم خدمات تعجز "فتح" ومؤسسات السلطة عن تقديمها. وثمة من يقول إن "حماس" تدعم من أجل إضعاف "فتح"، منظمات فلسطينية صغيرة تعتمد ايدولوجية يسارية، وتذهب "حماس" حتى إلى تقديم الدعم المالي والسلاح لهذه المنظمات.
يمكن أن تفوز "حماس" في انتخابات المجلس التشريعي على غرار اكتساحها قبل أيام الانتخابات البلدية الجزئية بما في ذلك المجلس البلدي في نابلس كبرى مدن الضفة الغربية. ولا شك في أن من حق "حماس" خوض الانتخابات التي تعتبر نتيجة مباشرة لاتفاق أوسلو الذي لم تتوقف الحركة عن مهاجمته واعتباره اتفاقاً خيانياً. هذا شيء، في حين أن سلطة وطنية وحكومة منبثقتان عن الانتخابات شيء آخر. هل تمتلك "حماس" برنامجاً وطنياً واقعاً قابلاً للتحقيق يجعل منها شريكاً فلسطينياً في المفاوضات مع اسرائيل؟.
هذا هو السؤال الكبير، وكل ما عدا ذلك تفاصيل بغض النظر عما اذا كان أرييل شارون سيفوز على رأس حزبه الجديد في الانتخابات الاسرائيلية أواخر آذار المقبل. فشارون كما بات معروفاً يمكن أن يتعرض لنكسة انتخابية بعدما اكتشف الاسرائيليون أنه مُعرض لجلطات في الدماغ. كذلك يمكن أن يؤدي الوضع الصحي لشارون إلى تعاطف شعبي معه من منطلق أنه قادر على تحدي المرض وأن أول ما فعله بعد شعوره بأنه في وضع أفضل طلب الخروج من المستشفى والذهاب إلى مزرعته تمهيداً لمعاودة نشاطه العادي.
بغض النظر عن الوضع الداخلي في اسرائيل، هل تستطيع "حماس" أن تقدم نفسها شريكاً في المفاوضات بعيداً عن الشعارات التي لا تقدم ولا تؤخر مثل تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ومن النهر إلى البحر.
يكمن الخوف، كل الخوف، في أن سياسة فرض الأمر الواقع التي اتبعها شارون منذ توليه السلطة في شباط 2001 وتشكيل حكومته الأولى في آذار من تلك السنة، تقوم على فكرة أن لا وجود لشريك فلسطيني. ولذلك عمل رئيس الوزراء الاسرائيلي على عزل ياسر عرفات ووضعه في الاقامة الجبرية مستفيداً قبل كل شيء من قرار عسكرة الانتفاضة. وما يظهر أن شارون مصمم على متابعة سياسة الاستعمار، انه لم يقدم يوماَ شيئاً لمحمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على الرغم من أن الأخير انتخب على أساس برنامج واضح يقول برفض عسكرة الانتفاضة، لكن شارون استطاع التذرع بما تقوم به "حماس" وباستمرار العمليات الانتحارية التي باتت تحصل بين الحين والآخر في توقيتات أقل ما يمكن أن توصف به أنها مدعاة للتساؤل لمنع الرئيس الفلسطيني من تحقيق أي انجاز كبير باستثناء فتح معبر رفح. وهذا المعبر ما كان ليفتح لولا الضغوط الأميركية والأوروبية التي تولت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ممارستها شخصياً.
هناك مشكلة كبيرة داخل "فتح" وهناك مشكلة أكبر في حال فوز "حماس" في انتخابات المجلس الاشتراعي وإصرارها على برنامجها غير الواقعي المرتبط بأجندة اقليمية لا تخدم الشعب الفلسطيني بمقدار ما تجعله مرة أخرى وقوداً في حروب الآخرين ومعاركهم، ولكن هل يمكن الحركة الاسلامية ان تفاجئنا وتظهر انها جدية في التفاوض وتدرك المعنى الحقيقي لموازين القوى اقليمياً وعالمياً وحتى داخلياً؟.
من المستبعد أن يكون المرء متفائلاً في هذا الشأن، علماً بأن الثمن الذي سيدفعه الجانب الفلسطيني سيكون غالياً في حال لم تعتمد "حماس" برنامجاً سياسياً واقعياً ولم تعط صورة مختلفة عن الشعب الفلسطيني غير صورة المسلح المقنع الذي يطلق النار في الهواء لسبب أو من دون سبب. فالانتخابات شيء والسلاح شيء آخر.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00