هل يتمكن ارييل شارون من تحقيق حلمه، حلم رسم الحدود النهائية لاسرائيل من دون التقيّد بقرارات الشرعية الدولية؟ هذا السؤال يُطرَح بقوة بعدما استقال رئيس الوزراء الاسرائيلي من ليكود وقرر تأسيس حزب خاص به وخوض الانتخابات العامة، التي قدم موعدها الى أواخر آذار المقبل، على رأس هذا الحزب.
يسعى شارون الذي يبلغ الان سن السابعة والسبعين الى دخول التاريخ الاسرائيلي من أبوابه الواسعة، بعدما نجح في تنفيذ الانسحاب الأحاديّ الجانب من قطاع غزة مركزاً على خطوة أخرى يقوم بها في المستقبل، في الضفة توصلا الى حل نهائي تضم اسرائيل بموجبه القدس الشرقية نهائياً اضافة الى أجزاء من الضفة الغربية. في مقابل ذلك، يتوقع انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من مناطق محددة من الضفة وتفكيك بعض المستعمرات ذراً للرماد في العيون.
تدل استطلاعات للرأي، أجريت حديثاً، ان شارون سيعود الى موقع رئيس الوزراء بعد الانتخابات المقبلة مستفيداً من عوامل عدة في مقدمها أن حزب العمل لم يعد ذلك اللاعب الأساسي في الساحة السياسية الاسرائيلية بعدما اختار زعيماً جديداً من مواليد المغرب يدعى عمير بيرتس لا يتقن أي لغة أخرى غير العبرية من جهة وتنقصه الخبرة السياسية من جهة أخرى. يدل على حال الضياع التي يعيشها بيريتس اضطراره المفاجئ الى تغيير خطابه السياسي لجهة تأكيد رفضه أي تخل عن القدس الشرقية وأي عودة للاجئين الفلسطينيين الى الأرض التي طردوا منها. فعل الزعيم الجديد لحزب العمل، وهو حزب النخبة الاشكنازية ذات الأصول الأوروبية، ذلك بعدما نبهه مستشاروه الى أن خطابه السياسي الذي يدعو فيه الى تفكيك المستعمرات المقامة في الضفة الغربية والى التفاوض مع السلطة الوطنية وحتى مع "حماس"، في حال اعترافها بدولة اسرائيل، لن يؤدي الى تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة. على العكس من ذلك، سيؤدي هذا الخطاب الى تهميش لحزب العمل الذي سيتحول الى مجرد حزب يساري صغير لديه بضعة نواب فقط في الكنيست التي ستنبثق عن الانتخابات المقبلة.
تحولت حال الضياع التي يعانيها حزب العمل الى عنصر قوة لدى شارون. واستفاد رئيس الوزراء الاسرائيلي من عامل اخر يتمثل في أن المعترضين على سياسته من داخل ليكود لا يمتلكون أي برنامج سياسيي باستثناء تكريس الأمر الواقع مع ما يعنيه ذلك على صعيد الاستمرار في احتلال الضفة الغربية الى ما لا نهاية على الرغم من أن المجتمع الدولي يرفض ذلك ويصر في الوقت ذاته على قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة".
وجد شارون أن أمامه فرصة لا تعوض لتحقيق اختراق سياسي على الصعيد الاسرائيلي أولاً وذلك بإنهاء حياته بطلاً قومياً استطاع أن يحقق لاسرائيل ما عجز غيره عن تحقيقه. انه بالفعل رجل خطير جداً نظراً الى أنه قادر يا للأسف الشديد على الظهور في مظهر رجل سلام أمام العالم في حين أنه ينفذ مشروعاً استعمارياً على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وعلى حساب قرارات الشرعية الدولية. ولعل أخطر ما يقوم به شارون متابعة بناء "الجدار الأمني" الذي يشكل كارثة على الشعب الفلسطيني نظراً الى أنه يطوق القدس ويعزلها عن الضفة من جهة ويبتلع مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية من جهة أخرى. وبكلام أوضح، يشكل الجدار وصفة لاستمرار النزاع في المنطقة عبر تكريس الاحتلال.
في ظل الانصراف العربي عن التعاطي المباشر بالموضوع الفلسطيني، باستثناء التشجيع والدعم الذي تقدمه بعض الأطراف العربية المعروفة الى المنظمات الفلسطينية التي تؤمن بالعمليات الانتحارية التي تخدم شارون ولا أحد غير شارون، يفترض في السلطة الوطنية الفلسطينية أن تأخذ علماً بأنها تواجه وضعاً جديداً يحتاج الى استراتيجية جديدة. تقوم هذه الاستراتيجية أول ما تقوم على أن الديبلوماسية الهادئة والواعية هي التي يمكن أن تؤدي الى نتائج إيجابية في المواجهة مع المشروع الاستعماري لشارون. في غياب مثل هذه الاستراتيجية التي يفترض أن تكون موضع اجماع فلسطيني، يخشى من أن يصل رئيس الوزراء الاسرائيلي الى يوم يتمكن فيه من تمرير كذبته الكبيرة على العالم بأنه رجل سلام والدليل أنه وافق على التخلي عن مشروع "اسرائيل الكبرى" والاكتفاء بضم القدس وأجزاء من الضفة الغربية. سيتمكن من عمل ذلك في حال لم يرتب الفلسطينيون أوضاعهم الداخلية قبل فوات الأوان... وترتيب الأمور الداخلية يمر بالانتهاء من فوضى السلاح، الخطوة التي لا مفر منها لأي عمل جادّ على الصعيد الديبلوماسي يمكن أن يتصدى للمشروع الخطير الذي يسعى ارييل شارون الى تنفيذه!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.