في موضوع العمليات الانتحارية من نوع تلك التي تعرّضت لها ثلاثة فنادق في عمان الأسبوع الماضي، لا يوجد شيء اسمه ندين مثل هذه العمليات... ولكن لا مكان لكلمة "ولكن" في التعاطي مع هذا السلوك غير البشري الذي لا يمكن وصفه سوى بأنه قتل من أجل القتل. وكان الملك عبدالله الثاني في غاية الوضوح بتأكيده أن الأردن لا يمكن أن يخضع للابتزاز من جهة وأنه سيحارب الفكر التكفيري من دون هوادة معتمداً على الفكر الاسلامي الصحيح وهو فكر انفتاح على الآخر وتسامح في آن. يمكن لما مر فيه الأردن أن يشكل بداية لتحرك على المستوى العربي، تحرك في اتجاه التوقف عن اعتماد مواقف رمادية في هذه المرحلة التي تمر فيها المنطقة. وعلى سبيل المثال لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها من دون مواربة والسعي الى اختلاق أسباب تخفيفية للارهاب والارهابيين. ما حصل في عمان وقبل ذلك في الرياض وجدة والدوحة والدار البيضاء وبيروت وعواصم ومدن أخرى ارهاب بكل معنى الكلمة. والحاجة الآن الى موقف عربي لا لبس فيه يؤدي الى معالجة هذه المشكلة من دون عقد ومركبات نقص، ذلك، أن ليس لدى الارهابيين من "القاعدة" دروس يلقونها على الآخرين من زاوية أنهم وحدهم الذين يطبقون الاسلام الذي هو منهم براء.
بكلام أوضح، لا بد من وضع حد لوقاحة الارهابيين في أي بقعة من بقاع العالم. ولأن العرب مستهدفون في هذه الأيام، خصوصاً أن الارهابيين يتاجرون بقضيتي العراق وفلسطين، آن أوان اتخاذ مواقف عربية من نوع جديد، مواقف تؤكد للارهابيين أنهم خارجون عن الاسلام، مواقف تؤكد أن العرب الذين يتوقون الى الالتحاق بالركب الحضاري لا يخشون الارهاب وليسوا على استعداد لأي مساومات مع الارهابيين.
من هذا المنطلق لا يمكن لأي عربي من الذين يعتبرون أنفسهم معنيين بالحرب على الارهاب الوقوف موقف المتفرج وانتظار عملية انتحارية جديدة كي يصدر بيان استنكار لا يقدم ولا يؤخر. والأكيد أنه ليس كافياً التذرع بالسياسات الأميركية في المنطقة لتفادي اتخاذ موقف من أي نظام يدعم الارهاب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وبصراحة متناهية، مثلما أن الحاجة واضحة الى موقف عربي داعم للأردن من دون أي تحفظ من أي نوع كان، هناك حاجة الى موقف شجاع مما يجري في العراق حيث لا مقاومة ولا شيء من هذا القبيل، بل ارهاب بارهاب في بلد تدور على أرضه حرب أهلية اتخذت بكل أسف طابعاً مذهبياً. والعرب مدعوون أكثر من أي وقت الى تفادي الكلام المنمق الذي يبتعد بهم عن الواقع. انهم مدعوون بكل صراحة الى دعم العملية الساسية في العراق وادانة كل ما له علاقة بالارهاب. وهذه الادانة لا بد من أن تشمل الانتحاريين من "القاعدة" وغير "القاعدة" الذين يتلطون بالظلم الذي لحق بأهل السنة لتبرير جرائمهم. كذلك ان الادانة يفترض أن تشمل الأحزاب التي لديها ميليشيات والتي تديرها قوى غير عربية من خارج العراق وداخله. من الواضح أن هذه الأحزاب التي أقامت ميليشياتها سجوناً خاصة بها خير حليف لـ"القاعدة" والتنظيمات الارهابية الأخرى التي تتبع النهج التكفيري.
إذا لم يكن العرب واضحين الآن، متى سيكونوا واضحين؟ واذا لم يكن في استطاعتهم قول الحقائق كما هي واتخاذ موقف واضح منها في هذه المرحلة بالذات، لن يكونوا قادرين على فعل ذلك في أي يوم من الأيام. والحقائق لا تتعلق بالعمليات الانتحارية كالتي تعرضت لها فنادق عمان فحسب ولا تتعلق بما يدور في العراق فقط. لا بد أيضاً من موقف واضح حيال ما يدور على أرض لبنان حيث يتعرض الشعب اللبناني الى حملة ترهيب حقيقية للحؤول دون كشف الحقيقة. الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وما يثير الأسى أن بعض التنظيمات الفلسطينية المعارضة للسلطة الوطنية الفلسطينية تستخدم من خارج لبنان في هذه الحملة الظالمة التي تستهدف التغطية على جريمة اغتيال رجل أمضى حياته في خدمة العرب والعروبة وجاءت مكافأته بالطريقة التي يندى لها جبين كل عربي يمتلك حداً أدنى من الشعور القومي.
الارهاب هو الارهاب، والشكوى العربية من الارهاب يجب ألا تبقى مجرد شكوى. إما أن يخرج العرب عن صمتهم أو يستسلمون للارهاب والارهابيين والفكر التكفيري والأنظمة التي تدعي العروبة وتستخدم هذا الفكر أفضل استخدام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.