8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الفلسطينيون ومتاهات الوضع الداخلي الإسرائيلي

كان مهماً أن تنجح وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في فتح معبر رفح. فالعالم يدرك أن الفشل في فتح المعبر يعني تحويل قطاع غزة إلى سجن كبير. عندئذٍ تكون إسرائيل قد نجحت من جهتها في إقناع العالم بأنها نفذت انسحاباً من أرض فلسطينية وأبقت في الوقت نفسه أهل غزة يعيشون في ظروف لا تختلف كثيراً عن تلك التي كانوا يعيشون في ظلها خلال فترة الاحتلال. ولأن العالم، ممثلاً باللجنة الرباعية، يدرك هذا الواقع، ويدرك أن الهدف الإسرائيلي من الانسحاب من غزة تشديد قبضة الاحتلال على أجزاء من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف، كانت كل هذه الجهود من أجل إعادة فتح معبر رفح تمهيداً لخطوة أخرى تتمثل في إعادة تشغيل المطار والميناء. وهذا يؤدي إلى جعل غزة على تماس مع العالم من جهة وإلى تقديم صورة حضارية عما يمكن أن تكون عليه دولة فلسطينية "قابلة للحياة" مستقبلاً من جهة أخرى.
ما حصل بالنسبة إلى غزة أمر جيد وذلك على الرغم من المخاوف التي يمكن أن تنجم عن عملية انتحارية ينفذها طرف فلسطيني يعمل لمصلحة هذا الطرف الاقليمي أو ذاك. وقد جرت العادة أن تصب مثل هذه العمليات في مصلحة السياسة الإسرائيلية التي تراهن على الوقت لابتلاع مزيد من أراضي الضفة ومتابعة بناء "الجدار الأمني" الذي يكرس الاحتلال أمراً واقعاً.
في موازاة السعي إلى ضبط الوضع في غزة والسعي إلى الانتهاء من فوضى السلاح، لا يمكن تجاهل ما يدور داخل إسرائيل نفسها حيث بدأت ترتسم خريطة سياسية جديدة يخشى أن تؤدي الى نوع من الشلل على صعيد اتخاذ القرارات الكبيرة. وهذا الشلل يصب في مصلحة الذين يسعون إلى تجاهل وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه من أجل التوصل إلى تسوية معقولة ومقبولة. ومن المؤشرات إلى احتمال الوصول إلى مثل هذا الشلل، وضع سياسي مثل شمعون بيريس يشغل حالياً موقع نائب رئيس الوزراء. ما الذي سيفعله بيريس بعد خسارته انتخابات زعامة حزب العمل الإسرائيلي؟ هل يشكل حزباً مع ارييل شارون في وقت يبدو أن إسرائيل تتجه إلى انتخابات مبكرة أم يضع نفسه في تصرف عمير بيريتس الزعيم الجديد لحزب العمل الذي أتخذ قراراً بالخروج من الحكومة الحالية.
المفارقة أن شارون سيقرر المستقبل السياسي لبيريس الذي تجاوز الثالثة والثمانين من العمر والذي يصر على عدم التقاعد من منطلق أن إسرائيل لا تزال في حاجة اليه.
ولكن أبعد من المصير السياسي لرجل استطاع أن يصبح مرتين رئيساً للوزراء من دون أن يتمكن من أن يقود حزبه إلى انتصار انتخابي، يبدو واضحاً أن الخريطة السياسية الإسرائيلية تغيرت على نحو جذري. تؤكد ذلك الصعوبات التي تواجه شارون داخل حزب الليكود نفسه في ضوء القرار الذي اتخذه بتنفيذ انسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة. هذه الصعوبات يمكن أن تدفع شارون إلى الخروج من تكتل ليكود وتشكيل حزب خاص به بمشاركة بيريس. إنه قرار صعب على شارون، لكن المضايقات التي يتعرض لها من صقور ليكود، على رأسهم بنيامين نتنياهو يمكن أن تدفعه في نهاية المطاف في هذا الاتجاه، خصوصاً في حال سُدت في وجهه كل المنافذ التي تسمح له بأن يكون طليق اليدين في تحديد الخط السياسي للحزب اليميني الذي لعب دوراً في تأسيسه.
يبدو كأن الهموم الداخلية لا تكفي الفلسطينيين، بل عليهم أن يتحملوا نتائج الوضع الداخلي الإسرائيلي حيث لم يعد معروفاً ما إذا كانت هناك أي قيمة للرئيس الجديد لحزب العمل الذي يدعو إلى تسوية تفكك إسرائيل بموجبها مستوطنات في الضفة الغربية... هل يمكن تصديق الرجل الذي أحدث انقلاباً تاريخياً داخل حزب العمل بصفة كونه أول يهودي شرقي يصل الى هذا الموقع؟ أم يجب توقع أن يكون وصول عمير بيريتس إلى حيث وصل مؤشراً إلى أن حزب العمل صار على هامش القرار السياسي الإسرائيلي؟
في كل الأحوال ليس أمام الجانب الفلسطيني سوى الصبر وإعادة ترتيب الوضع الداخلي إن في غزة وإن في الضفة الغربية. من دون ذلك، لن تقوم قيامة للدولة الفلسطينية. أكثر من ذلك، ثمة حاجة إلى أن يدرك الفلسطينيون أين هي مصلحتهم وأين نقطة البداية. إنها في الاقتناع بأنه من دون ترتيب وضعهم الداخلي سيذهبون ضحية فوضى السلاح ومتاهات الوضع الداخلي الإسرائيلي في الوقت نفسه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00