8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الوضع الفلسطيني بعد سنة على غياب "أبو عمار"

بعد أيام، أي يوم الحادي عشر من تشرين الثاني الجاري، تكون مرت سنة كاملة على غياب ياسر عرفات الزعيم ـ الرمز الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى الخريطة السياسية للشرق الأوسط ورحل في الوقت الذي صارت فيه القضية على أبواب القدس تدق عليها بقوة كي يتحول الأنجاز السياسي انجازاً جغرافياً اسمة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.
يفتقد الفلسطينيون ياسر عرفات اليوم أكثر من أي وقت، ذلك أنهم بدأوا يكتشفون شيئاً فشيئاً كم كان الرجل مهما في مجال بلورة الشخصية الفلسطينية التي تجسد طموحات شعب موزّع على مختلف أنحاء العالم في سعيه إلى ايجاد كيان سياسي على أرضه التاريخية. وتكمن اهمية ياسر عرفات في انه الفلسطيني الوحيد الذي كان قادراً على خلق إجماع حوله وعلى أن يكون قاسماً مشتركاً بين جميع أبناء شعبه، باستثناء العملاء طبعاً!
فمن يستطيع أن يعتبر "أن أبو عمار" ليس مقدسياً ومن يستطيع القول إنه ليس غزاوياً، نسبة إلى قطاع غزة، ومن يستطيع القول إنه ليس من الضفة الغربية؟ ومن يستطيع الادعاء انه ليس من فلسطينيي الشتات اكان ذلك في الأردن أو لبنان أو العراق أو سوريا، التي سجن فيها، أو دول الخليج على رأسها الكويت التي اقام فيها وشارك منها رفاقه الأوائل في تأسيس "فتح". كان ياسر عرفات الفلسطيني الوحيد القادر على أن يكون كل هذه الشخصيات معاً اضافة بالطبع إلى أنه كان رئيساً لكل الهيئات الفلسطينية من دون استثناء. كان رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والرجل الأول في "فتح" وقائد القوات العسكرية فيها والقائد العام للقوات الفلسطينية... وكان فوق ذلك كله الزعيم الذي يدرك قيمة المال في العالم العربي وفي المنطقة عموماً. ولذلك، لم يتخل يوماً عن الإمساك بعصب المال الذي عرف دائماً كيف يوظفه سياسياً بطريقة لم يحسن أي فلسطيني آخر اتقانها مثله.
كان ياسر عرفات فلسطين. كان هناك نظام فلسطيني في حد ذاته اسمه نظام "أبو عمار" الذي ما كان ليكل طوال أربع وعشرين ساعة يمضيها في التعاطي بكل ما هو فلسطيني ابتداء بالمشاكل العائلية، وانتهاء بالقضايا الكبرى المرتبطة بالتسوية مع اسرائيل التي عرف في النهاية كيف يأتي بها إلى طاولة المفاوضات على الرغم انه كان في موقع ضعيف. نعم كان ياسر عرفات في موقف في غاية الضعف سياسياً مطلع التسعينات عندما ارتكب خطأ سياسياً فادحاً بسكوته عن الجريمة التي ارتكبها صدام حسين باحتلاله الكويت، وعلى الرغم من أن الخطأ كان كبيراً جداً وينم عن جهل في السياسة والعلاقات الدولية والتوازنات الأقليمية، استطاع ياسر عرفات التقاط أنفاسه وحقق ابتداء من خريف العام 1993، تاريخ توقيع اتفاق أوسلو، ما لم يستطع أي زعيم فلسطيني تحقيقه وذلك عندما استعاد ارضاً فلسطينية عاد اليها وأقام فيها ودفن فيها محققاً جزءاً فقط من حلمه الكبير المتمثل في قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف.
في غياب "أبو عمار" تشتت الفلسطينيون، وعلى الرغم من كل الصفات الحميدة التي لدى السيد محمود عباس (أبو مازن) الرئيس الحالي للسلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب ديموقراطياً من الشعب الفلسطيني، هناك خوف كبير من النتائج التي ترتبت على الحال التي خلفها ياسر عرفات من جهة ومن التطورات الأقليمية من جهة أخرى. على الصعيد الفلسطيني، تبين أن المؤسسة الوحيدة التي كانت قائمة هي مؤسسة اسمها ياسر عرفات الذي اختصر كل المؤسسات في شخصه. ولذلك عملت اسرائيل على التركيز على شخصه واستطاعت التخلص منه بطريقة أو بأخرى في وقت ادت الانتفاضة المسلحة التي اندلعت في العام 2000 إلى تغييرات داخل المجتمع الفلسطيني في اتجاه الأسوأ، أي في مصلحة اسرائيل. تكفي الاشارة إلى فوضى السلاح وإلى صعود "حماس" وتراجع "فتح" للتأكد من مدى التدهور الذي يعاني منه المجتمع الفلسطيني، وهو تدهور زاد سريعاً مع غياب ياسر عرفات.
على الصعيد الاقليمي، يتمثل التحدي الأول في تقدم مشاكل المنطقة، في مقدمها العراق، على القضية الفلسطينية. ولا بد من الاعتراف بأن اسرائيل الساعية إلى تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، عرفت كيف تستغل الأوضاع المتغيرة اقليمياً مستفيدة خصوصاً من الفشل الفلسطيني في التعاطي مع مرحلة ما بعد الانسحاب من قطاع غزة.
بعد سنة على غياب ياسر عرفات، ربما كان أفضل ما في الجانب الفلسطيني عمله مواجهة الواقع كما هو. ذلك يبدأ بالاعتراف بأن الرجل لا يمكن تعويضه من جهة، وانه خلف من جهة أخرى فراغاً يصعب ملأه في غياب القدرة على إقامة مؤسسات فاعلة وفعالة قادرة على ضبط الأوضاع، أقله الانتهاء من فوضى السلاح والمسلحين. هل يمكن لمؤسسة كانت تضم كل المؤسسات اسمها ياسر عرفات ان تلد مؤسسات فاعلة وفعالة؟ الجواب عند "أبو مازن" الذي يشفع به انه يحاول جدياً ايجاد مثل هذه المؤسسات في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها صعبة ومعقدة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00