8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

كي لا يضحك صدام من خلف القضبان

لا يستطيع صدام حسين تغطية جرائمه على الرغم من أن الظروف التي تحيط بمحاكمته تثير بعض التعاطف معه، أقله في صفوف السذّج الذين لا ذاكرة لديهم أو الذين يعتقدون أن لا ضرورة للذاكرة ولا الى تذكر المقابر الجماعية للأكراد والشيعة وحتى السنّة. وما يمكن أن يزيد في تعاطف السذّج مع صدام الطريقة التي تصرّف بها في افتتاح المحاكمة، وهي طريقة أراد من خلالها إظهار أنه "بطل وطني" ذهب ضحية الاحتلال، علماً بأنه عمل كل شيء من أجل تسهيل مهمة المحتلين الذين وضع نفسه في خدمتهم، من حيث يدري أو لا يدري.، بسبب جهله في السياسة وفي التوازنات الاقليمية والدولية. إن هذا الجهل المزدوج أوصل العراق الذي حكمه صدام ما يزيد على ثلاثة عقود، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الى ما هو عليه الآن وأمّن للقوى الخارجية التدخل في شؤونه. وتبيّن مع مرور الوقت أن شخص صدام لعب دوراً محورياً في إيصال الوضع العربي الى ما وصل إليه.
إنه وضع عربي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه الأسوأ من نوعه منذ سنوات طويلة لا لشيء سوى لأن الرئيس العراقي المخلوع الذي لا يزال يعتبر نفسه شرعياً، شرّع الأبواب على مصاريعها أمام إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على أسس جديدة في مقدمها أن العراق بلد ذو هوية حائرة وأن وحدة أراضيه وسلامتها غير مضمونة في المدى البعيد.
يستحق صدام أكثر من محاكمة، ذلك أنه الحاكم الذي زرع بذور المذهبية في العراق وهي بذور ما لبثت أن أينعت بعد سقوطه بمساعدة أميركية واضحة. ولعل المثل الصارخ على التشجيع الأميركي على تنمية الروح المذهبية والاصرار على إدخال عبارة "الأكثرية الشيعية في العراق" الى بيانات المعارضة بدل الحديث عن عراق طبيعي فيه "أكثرية عربية" مع تساوي المواطنين فيه في الحقوق والواجبات.
كان في الامكان بكل بساطة الحديث عن عروبة منفتحة تقبل بأن يكون أي عراقي يمتلك الكفاءة المطلوبة رئيساً للجمهورية أو رئيساً للوزراء بعيداً عن أي نوع من المحاصصة التي لن تؤدي عاجلاً أم آجلاً سوى الى شرذمة العراق وعدم تمكينه من الخروج من الحرب الأهلية التي بدأت بالفعل خلافاً لما يقوله كثيرون أنها لا تزال على الأبواب.
تبدو محاكمة صدام فرصة لمراجعة المرحلة التي تلت إسقاطه بصفة كونه رئيساً غير شرعي استولى على السلطة بالقوة وقتل أعداءه ومن كان يشك بولائهم من دون محاكمة. مَنْ يتذكر كيف تصرّف صدام بعد توليه الرئاسة حين أعدم بعض أقرب الناس إليه لمجرّد أنه يشتبه بهم.
هناك ألف سبب وسبب لمحاكمة صدام الذي برع في السقوط في الأفخاخ التي كانت تنصب له وللعراق والذي حاول إلغاء دولة أخرى من الوجود اسمها دولة الكويت التي لم تضمر يوماً سوى الخير للعراق والعراقيين.
ولكن لا بد من الآن في التفكير في كيفية التخلص من عقلية الهيمنة التي لا تزال مسيطرة في العراق. إن التخلص من هذه العقلية يفرض أول ما يفرض امتلاك ما يكفي من الشجاعة للقول ان الأحزاب ذات الطابع المذهبي لا يمكن أن تخدم مستقبل العراق. صحيح أنه لا يمكن إلغاء هذه الأحزاب وعلى رأسها "الدعوة" و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"، لكن الصحيح أيضاً أنه لا يمكن لمثل هذه الأحزاب امتلاك ميليشيات خاصة بها تخدم العقلية الفئوية البغيضة التي حاول صدام فرضها على البلد من جهة إضافة الى أنها تزيد النفوذ الايراني تغلغلاً في البلد من جهة أخرى.
يفترض في سياسيين من أمثال رئيس الوزراء السابق الدكتور أياد علاوي تسمية الأشياء بأسمائها والابتعاد قدر الامكان عن الكلام الذي يشوبه بعض الغموض وأن يدافع علاوي عن الوزراء الذين كانوا في حكومته والذين يتعرّضون حالياً للتشهير بسبب مواقفهم الوطنية التي تبنتها الحكومة السابقة ككل. إن ما يعاني منه العراق واضح، بل واضح جداً، وإما أن يقوم حكم وطني يمثل أكثرية العراقيين بعيداً عن أي نوع من المحاصصة كما كانت عليه الحال حتى في حكومة علاوي وفي الحكومة الحالية، وإما أن العراق سائر نحو مزيد من التجاذبات ما يجعل صدام يضحك من خلف قضبان سجنه ويقول للذين خلفوه: لقد نجحت في فرط وحدة البلد بمجرّد أني صرت خارج السلطة. لقد تركت لكم بلداً لا يحكم. هذه تركتي للذين جاؤوا بعدي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00