مرة أخرى، يتبين كم أن فوضى السلاح تشكل خطراً على الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة. والدليل على ذلك ما شهدته غزة الأحد الماضي عندما وقع اشتباك بين الشرطة الفلسطينية من جهة و"حماس" المصرة على التمسك بسلاحها من جهة أخرى. وقد أدى الاشتباك وهو الأول من نوعه منذ الانسحاب الاسرائيلي من القطاع إلى سقوط ثلاثة قتلى بينهم ضابط فلسطيني برتبة رائد اضافة إلى نحو خمسين جريحاً فلسطينياً مع ما يعنيه ذلك من دلائل تعكس مدى خطورة ما حدث.
تمر القضية الفلسطينية هذه الأيام في مرحلة أقل ما يمكن أن توصف به انها دقيقة وذلك لأسباب عدة. يأتي في مقدم الأسباب الوضع العراقي ومخاطرة على المنطقة وعلى العرب تحديداً. واذا كان لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها، ليس أمام الجانب الفلسطيني في الداخل والخارج، في المعارضة والسلطة، في موقع المستقل الحر أو موقع التابع لهذا النظام العربي أو غير العربي أو ذاك، سوى التعاطي مع واقع اقليمي جديد يتمثل هذا الواقع في أن أميركا نجحت، شئنا أم أبينا في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط انطلاقاً مما شهده العراق. وقد حصل ذلك على حساب العرب الذين دفعوا جميعاً ثمن الجرائم التي ارتكبها جاهل موتور اسمه صدام حسين.
اكثر من ذلك، أن أخطر ما تنطوي عليه التطورات العراقية تراجع الاهتمام العربي والاقليمي وحتى العالمي بقضية فلسطين في انتظار معرفة على ماذا ستستقر الأوضاع في العراق. وبات في الامكان القول بكل بساطة إن هذه القضية تراجعت كثيراً في ضوء التطورات العراقية ولم تعد أولوية الأولويات كما في الماضي. وحتى الآن استطاعت اسرائيل استغلال هذا الواقع فيما غرق الفلسطينيون في متاهات الخلافات الداخلية ويقدمون نفسهم للعالم بفضل السلاح الذي يظهر في الشارع، كشعب متعطش إلى الدماء في عالم ما بعد 11 أيلول 2001,. والعمليات الانتحارية في العراق. علماً بأن الشعب الفلسطيني ضحية ارهاب تمارسه دولة مجرمة لا تؤمن سوى بالاحتلال.
من يرفض هذا الواقع، يهرب من الحقيقة. والحقيقة يمكن تلخيصها بالآتي: إذا استمرت فوضى السلاح في الضفة الغربية وغزة، سينجح عندئذ ارييل شارون في تنفيذ مشروعه الهادف الي فك ارتباط من جانب واحد في الضفة بعد ضم أجزاء منها وذلك بحجة أن لا وجود لشريك فلسطيني جدي يستطيع التفاوض معه. وسيلقى شارون في حال استمر الوضع الفلسطيني في لبنان كما هو عليه دعماً لمشروعه الاستعماري، اذ سيقول للعالم إن الفلسطيني حيثما حل لا يستطيع العيش إلا في ظل فوضى السلاح. ومن هذا المنطلق، يظهر السلاح الفلسطيني في لبنان وكأنه تابع لفوضى السلاح القائمة في الضفة وغزة.
لا يمكن ألا تفهم الهواجس والمخاوف الكامنة لدى أهل المخيمات في لبنان الذين يعاملون بطريقة غير انسانية، ولا يمكن ألا تفهم ضرورة التوصل إلى حل معقول ومقبول لمشكلة سلاح المخيمات في اطار ضمان الأمن والأمان والكرامة الانسانية للاجئ المحروم من أبسط حقوقه وفي اطار القوانين اللبنانية وسيادة الدولة. لكن الأمر الذي لا يمكن فهمه هو ذلك الاصرار على اقامة قواعد عسكرية خارج المخيمات. أين المنطق الذي يبرر وجود مثل هذه القواعد غير منطق آخر يقوم على فكرة أن بعض المنظمات الفلسطينية لم تتعلم شيئاً من تجارب الماضي وتعتقد أن مساهمتها في ضرب الاستقراراللبناني يقربها من فلسطين، علماً بأن مثل هذا المنطق لا يخدم سوى شارون ومشروعه. كيف يمكن لقاعدة عسكرية فلسطينية في البقاع أو جنوب بيروت أن تخدم القضية الفلسطينية في شيء... اللهم الا اذا كانت الاساءة إلى لبنان وسيادته واظهاره في مظهر "الساحة" هدفاً في حد ذاته أو رد جميل على الخدمات التي قدمها لبنان واللبنانيون للقضية الفلسطينية.
يتأكد اليوم أكثر من أي وقت مضى ان هناك مشكلة اسمها فوضى السلاح الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها. أنها مشكلة لا تتجزأ وهي في حاجة إلى حل لا لشيء سوى لأنها تساهم في خدمة المشروع الاسرائيلي الساعي إلى الاستفادة من أي ثغرة فلسطينية. وما أكثر الثغرات بوجود المزايدين على السلطة الوطنية في الداخل ووجود أنظمة عربية تعتقد أن في استطاعتها استخدام الفلسطينيين وسلاحهم في معارك خاسرة سلفاً، وثمة للأسف من يقبل ذلك. ليس مهماً لمثل هذه الأنظمة أن تجني شيئاً من هذه المعارك ما دام الوقود فلسطينياً وما دام الخاسر في نهاية المطاف لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.