احتاج ارييل شارون إلى ما يزيد على خمسة عقود ليقول كلاماً بديهياً من نوع: "اننا نحترمهم (نحترم الفلسطينيين) وليست لدينا أي رغبة في السيطرة عليهم. انهم يمتلكون أيضاً الحق في الحرية وفي السيادة داخل دولة خاصة بهم". من أين أتى شارون الذي أمضى كل حياته يحارب الشعب الفلسطيني ويسعى إلى الغائه بهذا الكلام الذي يفترض أن يقوله أي شخص يمتلك حداً أدنى من القيم التي لها علاقة بالمشاعر الانسانية؟
قبل كل شيء لا بد من الاشارة إلى أن كلام رئيس الوزراء الاسرائيلي عن الشعب الفلسطيني، وهو الأول من نوعه الذي يصدر عن الرجل، انما ورد في خطاب ألقاه في القمة الدولية التي استضافتها الأمم المتحدة قبل أيام في نيويورك.
الأكيد أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يرفض أن يأخذ في الاعتبار التحولات الدولية بما في ذلك ضرورة حصول الشعب الفلسطيني على الحد الأدنى من حقوقه على جزء من أرضه التاريخية، ارض فلسطين التي هي أرض الآباء والأجداد وأجداد الأجداد من أبناء هذا الشعب. كل ما أراده ارييل شارون الذي سعى في استمرار إلى تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني هو القيام بحملة لا هدف لها سوى الظهور في مظهر "رجل السلام". أنها حملة دعائية لا أكثر ولا أقل هدفها التغطية على المشروع الاستعماري الاسرائيلي الهادف إلى الاستيلاء على أجزاء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشريف.
لو كان شارون صادقاً في ما يقوله في شأن حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة لكان أول ما فعله أن حدد حدود هذه الدولة ولكان قبل المبدأ القائل ان الدولة الفلسطينية يجب أن تكون دولة "قابلة للحياة" حسب تعبير الرئيس بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. هناك فارق كبير بين من يتاجر بالسلام من جهة وبين من يريد السلام حقيقة من جهة أخرى. وما يفعله شارون هذه الأيام، هو التظاهر بأنه يريد السلام في اطار حملة علاقات عامة تغطي الجرائم التي يرتكبها في حق السلام بما في ذلك متابعة بناء مستعمرات في الضفة الغربية. وإذا كنا نريد ان نكون أكثر دقة، فان شارون يوظف الانسحاب من غزة في خدمة المشروع الاستعماري الاسرائيلي. أنه يوظف خصوصاً الفشل الفلسطيني في التعاطي مع مرحلة ما بعد الانسحاب الاسرائيلي من غزة للقول للعالم إن اسرائيل تريد السلام، لكن المطلوب أن يكون هناك شريك في الجانب الآخرللاستمرار في عملية السلام... وإلى إشعار آخر، أن هذا الشريك غير موجود.
لعل افضل طريقة للرد على شارون أن يباشر الجانب الفلسطيني عملية نقد ذاتي انطلاقاً مما حصل في غزة منذ الانسحاب الاسرائيلي. هل يجوز ارتكاب كل هذه الكمية من الأخطاء في هذا الوقت القصير بدل أن يكون الانسحاب من غزة مناسبة كي يظهر الشعب الفلسطيني في مظهر الشعب الحضاري القادر على المساهمة في استقرار المنطقة وليس شعباً لا يستطيع العيش الا في ظل فوضى السلاح؟
أنه أمر مؤسف أن تسود غزة حال لا مثيل لها من الفوضى منذ انسحاب المحتل وأن يوجد من يدمر الكنس التي أخلاها الاسرائيليون، وهي أماكن عبادة، بدل تحويلها مدارس أو مستوصفات أو مكتبات عامة ما دام لم يعد يهود في غزة... هذا من دون الحديث عن الخيم الزراعية التي كانت في المستعمرات. أكثر من ذلك، هل من الجائز أن يضطر محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية إلى التغيب عن احتفال أقيم على انقاض أحد المستعمرات الاسرائيلية بسبب مخاوفه من فوضى السلاح... وتبين لاحقاً انه كان على حق اذ انتزع مسلح من "حماس" في نهاية الاحتفال الميكروفون من شاب فلسطيني أراد الغناء. هل ممنوع الغناء في غزة المحررة؟ أم أن المطلوب أن تصير غزة "حماستان" على نسق الدولة التي أقامتها "طالبان" في افغانستان بدعم من أسامة بن لادن؟
لا بد من خيار فلسطيني واضح. ان الرد على ارييل شارون، في حال كان مطلوباً اسقاط مشروعه، يبدأ بالانتهاء من فوضى السلاح والالتفاف حول المشروع السياسي الواضح والواقعي للسلطة الوطنية الفلسطينية. كل ما عدا ذلك، خدمات مجانية لارييل شارون الذي استطاع الذهاب الى الأمم المتحدة والتحدث إلى العالم فيما "أبو مازن" في غزة يسعى إلى ايجاد سبيل للخروج من نفق مظلم أسمه فوضى السلاح. وقد يضطر إلى الخروج من السلطة قبل أن يجد من يساعده فعلاً في الخروج من النفق!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.