هل بدأت الحرب الأهلية في العراق؟ يخشى أن يكون ذلك حصل فعلاً بعد سلسلة التفجيرات التي وقعت الاربعاء الماضي وأدت إلى سقوط ما يزيد على مئة وستين قتيلاً. أقل ما يمكن قوله عن الأحداث التي شهدها ذلك اليوم المشؤوم، انها تؤكد كل المخاوف من صراع ذي طابع مذهبي يصعب التحكم به أو حتى استيعابه على من يريد أن يكون صادقاً مع نفسه مواجهة الحقيقة والتساؤل هل لا يزال في الامكان عمل شيء للحد من الخسائر ومحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه؟
تأتي هذه الأحداث الدموية، التي استمرت في الأيام التالية لـ "الاربعاء الأسود"، في وقت لم يعد خافياً على أحد أن عناصر شيعية مسلحة تقتل مواطنين في بلدة ما أو منطقة ما، لمجرد أنهم سنة. في المقابل تستهدف العمليات الانتحارية، على غرار ما حصل الاربعاء في الكاظمية، قتل أكبر عدد من الشيعة. هناك أجواء مسمومة في سماء العراق في ضوء انفلات الغرائز وتحول البلد في ظل الفوضى التي صنعها الأميركيون وفي ظل التدخلات الأميركية مرتعاً للتطرف والمتطرفين من كل حدب وصوب. يكفي ما أعلنه ذلك الارهابي الذي اسمه "أبو مصعب الزرقاوي" عن شن حرب على الشيعة للتأكد من ان حالاً من الجنون تسود العراق. أنه جنون يجعل أي كلام عقلاني في غير محله. انه جنون يفرض مقاربة جديدة للوضع العراقي تأخذ في الاعتبار التدهور الذي يشهده البلد على كل المستويات منذ الانتخابات التي حصلت أواخر كانون الثاني الماضي وتشكيل حكومة جديدة برئاسة السيد ابراهيم الجعفري.
ثمة واقع لا يمكن الهرب منه يتلخص بأن هذه الحكومة، على الرغم من التمثيل السني فيها، ولدّت لدى الأكثرية الساحقة من أهل السنة انطباعاً فحواه أن عملية تهميشهم جارية على قدم وساق. هذا الانطباع ربما كان صحيحاً وربما لم يكن كذلك، لكنه واقع لا يمكن الهروب منه في حال كانت هناك نية حقيقية لمحاولة بذل جهد أخير لتفادي الحرب الأهلية التي اطلت برأسها من دون استئذان أحد. وبكلام أوضح وفي ضوء ظهور الأحزاب الدينية الشيعية، على رأسها حزب "الدعوة" و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" في الواجهة، اتجه كثيرون من أهل السنة، وبينهم عقلاء نحو دعم الارهاب والإرهابيين رافعين شعار : علي وعلى أعدائي.
هذا هو باختصار الوضع العراقي الذي دخل طور الحرب الأهلية المكشوفة، خصوصاً أن أحزاباً شيعية باتت في السلطة لم تجد للرد على ارهاب الزرقاوي ومن لف لفه من الجماعات المحسوبة على النظام السابق سوى ارسال ميليشيات مسلحة لتأديب مناطق وبلدات فيها أكثرية سنية. والمؤسف أن هذه التطورات تترافق مع غياب استراتيجية أميركية واضحة، باستثناء التصعيد الكلامي المبالغ به مع سوريا وظهور ايران في كل يوم اكثر وأكثر انها ربما كانت الطرف الوحيد الذي يعرف ما يريده من العراق. اما دول الجوار وغيرالجوار العربية، فتبدو في حيرة من أمرها لا تدري ما تفعله. وكان الأردن الدولة الوحيدة التي اعتبرت حديثاً أن لا بد من عمل شيء أقله لسبر اغوار النيات في بغداد وتأكيد رفض الارهاب بكل اشكاله، ولكن، هناك دائماً حدود لما يستطيع الاردن عمله في غياب خطة عمل عربية، أو أقله مشاورات للبحث في ما اذا كان لا يزال في الإمكان عمل شيء، عربياً، من أجل العراق.
في حال استمرت الأمور في العراق على ما هي عليه، سيكون من الصعب تخيل كيف يمكن تفادي الحرب الأهلية التي بدأت والتي سيجد قسم من العرب أن ليسوا في استطاعتهم البقاء بعيدين عنها، خصوصاً مع تزايد النفوذ الايراني في البلد. اما بالنسبة الى مسألة الدستور العراقي، فقد يأتي وقت في ظل تصاعد وتيرة العنف، لا تعود فيه فائدة تذكر منه... إلا اذا كانت الادارة الأميركية تبحث عن انتصارات وهمية تعفيها من الأجابة عن أسئلة حقيقة من نوع كيف يمكن النجاح في أحداث كل هذه الفوضى بهذا الوقت القياسي في بلد يمتلك ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم؟
انه بالفعل وضع مخيف ذلك الذي يشهده العراق، وإذا كانت كل الدلائل والمعطيات تشير إلى أن الحرب الأهلية بدأت عملياً، إلا أن ما يفترض أن يرسخ في البال أن الحدث العراقي بما يحمله من مخاطر سيترك تأثيرات وانعكاسات سلبية على الصعيد العربي تفوق في خطورتها ما خلفته نكبة العام 1948 وهزيمة 1967 في آن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.