مر الخميس الماضي مئتا يوم على استشهاد رفيق الحريري، رمز العروبة الحقيقية التي سعت إلى نقلة نوعية للمنطقة في اتجاه أن تصير على تماس مع العالم. والمقصود بالمنطقة، الانسان العربي فيها أكان لبنانياً أو غير لبناني.
كانت بيروت، المدينة التي ترفض الموت والتي أعاد رفيق الحريري الحياة اليها، بداية الحلم الذي سيتحقق يوماً، وهو حلم لبناني وعربي في آن. وقد أراد الذين اغتالوا رفيق الحريري القضاء على هذا الحلم لسبب في غاية البساطة يتلخص بغياب أي قدرة لدى هؤلاء المجرمين على الانتماء إلى العالم المتحضر وتقديم أوراق اعتمادهم اليه أو حتى مجرد التعايش معه، حتى لا نقول الاقامة فيه.
جاء مرور مئتي يوم على وقوع جريمة العصر في لبنان، ليتبين أن الحقيقة ستظهر قريباً وأن المجرمين، اكانوا منفذين أو مخططين أو محرضين من داخل لبنان أو خارجه، لن يفلتوا من العقاب. لن يفلتوا من العقاب لأن رفيق الحريري لا يزال ومن حيث هو، أقوى منهم. انه الرجل الذي اعاد لبنان إلى خريطة المنطقة والعالم. ولذلك كان رد الفعل على اغتياله لبنانياً وعربياً ودولياً. ولذلك ايضاَ يتبين كل يوم كم أن الاصرار اللبناني والعربي والدولي على كشف الحقيقة كبير وجدي.
لا شيء يعوض غياب رفيق الحريري، لا شيء يعوض تلك القدرة على استنباط الحلول والمخارج من الأزمات، أياً يكن نوعها، مهما اشتدت وتعقدت. لا شيء يعوض شبكة العلاقات الدولية التي أمتلكها هذا العربي الصادق الذي وظف كل امكاناته في خدمة لبنان والعرب، فجاءته الطعنة في الظهر من أدعياء العروبة والوطنية من الذين وضعوا أنفسهم في خدمة اسرائيل من حيث يدرون أو لا يدرون، ومن الأفضل أن نعتبر انهم لا يدرون، سامحهم الله.
دفع كل لبناني وعربي ثمناً غالياً جراء استشهاد رفيق الحريري، لكن دم الرجل الذي أعاد الحياة إلى لبنان، وهو رجل احيا البشر قبل أن يعيد الحياة إلى الحجر، بُذل لأعادة الأمل بمستقبل عربي أفضل قائم على احترام الانسان وحقوقه وحريته. وبكلام أوضح صار على أي نظام عربي يفكر في التخلص من انسان بسبب أفكاره ومعتقداته اعادة النظر في حساباته طويلاً. ان دم رفيق الحريري غير السلوك العربي نحو الأفضل. واذا كان هناك مَنْ لم يقتنع بذلك، ستظهر الأسابيع القليلة المقبلة مدى التأثير الذي خلفته الجريمة على السلوك العربي عموماً، خصوصاً على سلوك تلك الأنظمة التي طالما اعتقدت أن شرعيتها مستمدة من الخوف الذي تبثه ومن الارهاب الذي تتقنه. انه ارهاب تستخدمه هذه الأنظمة بطريقة مباشرة احياناً وعن طريق آخرين من ضعاف النفوس في أحيان كثيرة.
في ضوء ما بدأ يتكشف من جريمة العصر، بات في الامكان القول إن الزلزال الذي ضرب لبنان في 14 شباط الماضي، تجاوز حدود البلد الصغير إلى محيطه. انه زلزال عربي ايضاً... وبامتياز. ولن يمضي وقت طويل الا ستفتح ملفات جرائم أخرى كثيرة ان في لبنان أو في خارجه.. لقد اعتقد الذين اغتالوا رفيق الحريري أن الناس ستنسى الموضوع برمته، وأن المسألة مسألة ايام ليس الا. ألم يُقتل كمال جنبلاط في العام 1977 ولم يحصل شيء؟ الم يُنسف بشير الجميل ومن معه ويدمر المكان الذي كانوا فيه، على رؤوسهم من دون أن يوجد من يريد مجرد الاعتراض على ما حدث؟ هل هناك من أراد حتى مجرد التحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض أو في قضية استشهاد المفتي حسن خالد وكثيرين غيرهما؟
تغير لبنان وتغيرت المنطقة. ثمة من فهم ذلك وثمة من لا يريد أن يفهم أو يستوعب. ان اغتيال رفيق الحريري ليس مجرد حدث عابر. انه نقطة تحول على الصعيد الاقليمي. واذا كان هناك من يظن ان في هذا الكلام مبالغة، فإن الايام التي لا تزال تفصلنا عن نهاية السنة ستظهر أن خطأ اغتيال الرجل الكبير في حجم الخطأ الذي ارتكبه صدام حسين عندما غزا الكويت واحتلها في العام 1990. كان صدام المتهور يريد الغاء بلد... فدفع الثمن غالياً. والذي اغتال رفيق الحريري اراد أيضاً اغتيال البلد. والثمن الذي سيُدفع سيكون غالياً أيضاً. ليس بهذه السهولة تلغى بلدان في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة. يمكن سؤال صدام عن ذلك!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.