كان طبيعياً ان تسعى مصر إلى دور في مرحلة ما بعد خروج جيش الاحتلال الاسرائيلي من غزة وتفكيك المستوطنات التي أقيمت في القطاع. في النهاية مصر لا يمكن إلا أن تكون مهتمة في أمرين.
يتمثل الأول في ضمان أمنها الوطني، فلا تكون غزة منطلقاً لعمليات ارهابية تطال أمنها على غرار ما حصل في شرم الشيخ أخيراً، والآخر في جعل خطوة الانسحاب الاسرائيلي من غزة بمثابة مقدمة لانسحابات اسرائيلية أخرى من الضفة الغربية. ولذلك كان لا بد لمصر من التوصل إلى اتفاق مع اسرائيل يؤدي إلى نشر قوات من حرس الحدود على طول الخط الحدودي الفاصل بينها وبين غزة من جهة والعمل من جهة أخرى على دعم السلطة الوطنية الفلسطينية كي تكون غزة نموذجاً لما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطينية مسالمة "قابلة للحياة".
من هنا كان منطقياً أن يأتي رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عباس (أبو مازن) إلى مصر لعقد محادثات مع الرئيس حسني مبارك بغية تأكيد مدى عمق التنسيق بين الجانبين في كل المجالات في طليعتها الأمن. فالأمن يمهد للاستقرار في غزة ومن دون استقرار لا مجال لاستثمارات في مجال البناء والاعمار والتنمية، أي في ما سماه "أبو مازن" "الجهاد الأكبر".
كان ملفتاً السهولة التي نفذت بها اسرائيل الانسحاب من غزة وعملية اجلاء المستوطنين عنها. وتبين في آخر المطاف ان المستوطنين الذين بدت عليهم المعاناة بسبب خروجهم من أرض محتلة اقاموا فيها سنوات طويلة، كانوا في الواقع يشاركون في مسرحية هزلية لا أكثر ولا أقل.
كل ما في الأمر ان هؤلاء المستوطنين كانوا يفكرون في الارباح التي جنوها من الخروج من غزة وهي أرباح جاءت بشكل تعويضات سخية حصلوا عليها. اما البكاء والتظاهر بالمقاومة فكانا جزءاً من دور ارتضوا لعبه هدفه اظهار اسرائيل في مظهر الدولة المحبة للسلام والمستعدة لتضحيات من أجل السلام.
لم يكن أمام مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية سوى التظاهر بأن المسرحية الاسرائيلية انطلت عليهما، وكان المهم ألا تحصل أي عمليات فلسطينية في تلك المرحلة، مرحلة الانسحاب الاسرائيلي وان يبدأ التفكير في كيفية التخطيط للمستقبل أي في افشال مشروع ارييل شارون الهادف إلى ان يكون الانسحاب من غزة مجرد مقدمة لضم اجزاء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.
ما يمكن قوله حتى الآن إن السلطة الوطنية خرجت رابحة من "معركة غزة" وهي لم تستطيع المساعدة في تسهيل رحيل الاحتلال فحسب، بل أكدت أن في استطاعتها ايضاً منع "حماس"، من شن عمليات تبرر للاحتلال ارتكاب مزيد من المجازر في حق المدنيين.
ما يمكن قوله في النهاية خصوصاً بعد الدخول المصري على خط المحافظة على الأمن في غزة والسعي إلى ضمان عدم تهريب أسلحة وغير أسلحة الى القطاع ومنه مستقبلاً، أن ثمة رعاية دولية للانسحاب الاسرائيلي. انها رعاية تصب في مشروع اكبر يتلخص بالتوصل الى تسوية بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
وما يمكن قوله ايضاً إن اظهار"حماس" نضجاً سياسياً كما حصل في الأيام الأخيرة سيضمن لها دوراً في هذه التسوية، بدل أن تظل إدارة تستخدمها هذه القوى الاقليمية أو تلك لافشال أي محاولة لمعاودة الحياة إلى العملية السلمية.
ما حصل في غزة ليس مجرد انسحاب اسرائيلي من القطاع يريد أن يستخدمه شارون لتقوية وضعه السياسي في اسرائيل. ماحصل اذا احسن الفلسطينيون التصرف وعرفوا كيف تكون الاستفادة من الدور المصري والرعاية الدولية يمكن أن يشكل نقطة تحول على طريق استعادتهم المبادرة سياسياً. واستعادة المبادرة تعني أولاً ابلاغ العالم انهم طرف يحترم كلمته والتزاماته وانهم قادرون على التصرف بحكمة ومسؤولية لان كل ما يريدونه هو ترداد لما كان يقوله زعيمهم التاريخي ياسر عرفات رحمه الله، في مجالسه الخاصة. كان "أبو عمار" يردد دائماً لدى سؤاله عما يريده، العبارة الآتية: "عش ودع غيرك يعيش".... ولكن هل في الجانب الآخر، أي الجانب الاسرائيلي، من هو قابل لمواجهة هذا التحدي؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.