هناك لحسن الحظ بعض الأخبار السارة في المنطقة العربية الى جانب انتهاء الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وتفكيك المستعمرات بسهولة غير متوقعة، جاء إفراج جبهة "بوليساريو" عن نحو أربعمئة أسير مغربي بمثابة إشارة الى أن نزاعاً عربياً ـ عربياً، هذه المرة، صار عمره ثلاثة عقود، يمكن أن يجد نهاية سعيدة له.
ما عزز أيضاً الانطباع بأن النزاع المغربي ـ الجزائري في شأن الصحراء الغربية الذي تلعب فيه "بوليساريو" دور حصان طروادة يمكن أن يكون شارف على نهايته بعد الاتصال الذي أجراه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالملك عبدالله السادس. وعبّر الرئيس الجزائري في الاتصال عن أمله في أن تكون العلاقات المغربية ـ الجزائرية "مميزة"، علماً بأن الوضع الطبيعي للعلاقات بين البلدين أن تكون "مميزة".
إن السؤال المطروح الآن لماذا قررت "بوليساريو" إطلاق الأسرى المغاربة. هل بات في الامكان القول ان الحل في الصحراء الغربية نضج وأن في الامكان التوصل الى تسوية تصب في خدمة المغرب والجزائر؟ وبكلام أوضح هل خدم النزاع الهدف المطلوب منذ البداية، أي استنزاف المغرب لفترة معينة؟ ولماذا صار في استطاعة الرئيس الجزائري العمل على إطلاق الأسرى المغاربة، هل يعود ذلك الى أنه صار ممسكاً بقرار العسكر والمؤسسة العسكرية الجزائرية التي طالما ضغطت في اتجاه استمرار نزاع الصحراء نظراً الى أنها مستفيدة منه مباشرة؟
ثمة أسئلة كثيرة يمكن طرحها هذه الأيام عن الأسباب التي دعت الى إطلاق الأسرى المغاربة وبعضهم محتجز منذ ربع قرن وتلك التي دفعت بالرئيس بوتفليقة الى الاتصال بالعاهل المغربي لتأكيد ضرورة تحسين العلاقات بين البلدين. وما قد يساعد في الاجابة عن هذه الأسئلة أن نزاع الصحراء استمر طويلاً من دون فائدة تذكر باستثناء الاستثمار فيه لإلحاق ضرر بالمغرب وباستقراره. وصار هذا النزاع عبثياً بعدما عمدت "بوليساريو"، الى البحث عن انتصارات وهمية معتمدة على قدرات الديبلوماسية الجزائرية. ولا بد من الاعتراف بأن الجبهة التي تطالب بإقامة دولة مستقلة في الصحراء حققت مثل هذه الانتصارات بدليل استمرار دول افريقية في الاعتراف بالدولة الوهمية التي اسمها "الجمهورية الصحراوية". وكانت بين آخر هذه الدول جنوب افريقيا التي وجدت أن لديها حسابات تريد تصفيتها مع المغرب.
ما يمكن قوله، في سياق محاولة الاجابة عن السؤال الأساسي وهو هل شارف النزاع على نهايته، ان الجزائر ربما وجدت أخيراً أن لديها مصلحة في إنهاء النزاع لا لشيء سوى لأن إضعاف المغرب لم يعد يفيدها وأن أي سلبيات تحصل في المغرب يمكن أن تكون انعكاساتها سيئة عليها. ومن هذا المنطلق، من الأفضل للبلدين العمل معاً والاستماع الى النصائح الدولية والعربية نظراً الى أن ذلك يساعدهما في خوض معركة مشتركة مع عدو محدد اسمه التطرف والارهاب.
عانت الجزائر طويلاً من التطرف والارهاب، وبدأ المغرب أيضاً يعاني من هذه الظاهرة التي سعى منذ البداية الى إيجاد حلول جذرية لها عن طريق الحوار أحياناً والتصدي المباشر في أحيان أخرى. والأكيد أن تفجيرات الدار البيضاء لا تزال عالقة في ذهن كل مغربي إضافة الى أنها تذكر الجزائريين في كل وقت بأن من مصلحتهم مساعدة المغرب وليس خلق مشاكل له.
في النهاية، ربما وجد البلدان أن لا مفر من تسوية في الصحراء وأن عليهما خوض معارك كثيرة معاً. احداهما معركة تحديث المجتمع ورفع مستوى الوعي فيه بغية اجتثاث الارهاب من جذوره إضافة بالطبع الى التفاوض مع أوروبا في شأن ملفات متنوعة تبدأ بالهجرة إليها وتنتهي بالتبادل التجاري.
في كل الأحوال يمكن القول ان نزاع الصحراء دخل مرحلة جديدة وأن البحث عن مخرج بات جدياً، مخرج يأخذ في الاعتبار أن المغرب الذي ربح حرب الصحراء عسكرياً لا يمكن أن يخسرها على طاولة المفاوضات... لا يمكن أقله إلا أخذ هذا الواقع في الاعتبار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.