8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مسألة دستور.. أم مسألة إعادة تركيب العراق؟

كلما مر يوم، يتبين أن المأزق الأميركي في العراق يزداد عمقاً وتعقيداً ومعه المأزق العربي المتمثل في الانعكاسات الاقليمية التي ستترتب على استمرار العنف في هذا البلد الباحث عن هوية جديدة. والخوف كل الخوف، لا يكمن في مسلسل الجرائم التي تُرتكب في العراق فحسب، بل في الطابع المذهبي الذي راحت ترتديه أيضاً، وهو طابع تغذيه قوى إقليمية بات واضحاً أنها تسعى الى شرذمة العراق وتفتيته.
ليس مستبعداً أن ينجح هذا المخطط الخطير الذي أسس له النظام البعثي ـ العائلي الذي أقامه موتور اسمه صدام حسين قضى على النسيج الاجتماعي للمجتمع تاركاً للذين جاؤوا بعده على ظهر دبابة أميركية بلداً يصعب حكمه والتحكم به. وكان الأميركيون من الغباء بأن طرحوا قبل عمليتهم العسكرية في العراق سلسلة من الأفكار تؤسس لحرب أهلية. وأتبعوا هذه الأفكار بقرار حل الجيش العراقي وكأن المطلوب خلق فراغ على كل المستويات يمكن الانطلاق منه لإعادة بناءالبلد على أسس جديدة. هل هناك من يعتقد أن في الإمكان بناءدولة على فراغ وعلى أفكار عامة من دون وجود قاسم مشترك يؤدي الى أن تكون هناك لحمة وطنية؟
كانت التركة التي خلفها صدام حسين ثقيلة جداً، لكن الأميركيين زادوها ثقلاً بمشاركة المعارضة التي قامت على أسس مذهبية. ولا بد من العودة الى مؤتمر لندن الذي عقدته هذه المعارضة للتأكد من أن معظم الأفكار التي طرحت وقتذاك أدت بطريقة أو بأخرى الى الوصول الى الوضع الراهن الذي يمكن تلخيصه بأن المسألة ليست صياغة دستور للعراق الجديد بمقدار ما هي مسألة مرتبطة بسؤال من نوع آخر: هل يمكن إعادة تركيب العراق؟
انعقد مؤتمر لندن في كانون الأول من العام 2002 أي قبل نحو ثلاثة أشهر من دخول القوات الأميركية الأراضي العراقية وتميّز بثلاثة محاور: حضور شيعي قوي بفضل تنسيق أميركي ـ إيراني تولاه أحمد الجلبي، إقرار مبدأ الفيدرالية، ورود عبارة "الأكثرية الشيعية في العراق" في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر.
ترتب على التنسيق الأميركي ـ الايراني تسهيل إيران للحملة العسكرية الأميركية، وللتذكير فقط لا بد من الإشارة الى أن بين أبرز أعضاء الوفد الأميركي الذي تولى مراقبة سير أعمال المؤتمر زلماي خليل زاد الذي يشغل حالياً موقع السفير الأميركي في بغداد والذي يسعى الى تسريع عملية صياغة دستور جديد للبلد.
عاجلاً أم آجلاً سيتوصل الى صيغة دستور جديد، ولكن يبقى ما هو أبعد من الدستور أي إعادة تركيب العراق في ضوء وجود أجندات مختلفة ناجمة عن إصرار الأميركيين على زرع بذور التفرقة المذهبية في البلد، والأكيد أنه من أجل تسهيل مهمة اللجنة التي تعمل على صياغة نص الدستور الجديد يمكن طرح سلسلة من الأسئلة البسيطة من نوع ماذا تعني عبارة "الأكثرية الشيعية في العراق"؟ ماذا تعني كلمة الفيدرالية؟ هل يمكن قيام عراق جديد بدستور مستورد من دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، خصوصاً بعدما تبيّن أن لدى طهران نفوذاً قوياً على الأحزاب الشيعية وفي مقدمها حزب "الدعوة" و"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"؟ هل يمكن إيجاد تفسير لكلمة الفيدرالية لدى الشيعة باستثناء تشكيل إقليم يضم المحافظات الجنوبية والوسطى تصب في خزينته معظم إيرادات نفط جنوب العراق؟ وهل يمكن للأكراد أن يفهموا الفيدرالية خارج إطار أن تكون جسراً يضمن لهم حصة الأسد في نفط شمال العراق أي في حقول كركوك؟
في نهاية المطاف، يظل الدستور مهمة سهلة. أما المهمة الأصعب فهي تركيب البلد وإبقاؤه موحداً. فتركة صدام حسين ثقيلة، بل ثقيلة جداً ولم تترك للشيعة العرب خيار اتخاذ موقف عقلاني تجاه ما يدور على أرض بلدهم ولم تؤدِ سوى الى دفع السنة العرب الخائفين على مصيرهم نحو التطرف ونحو أشباه أبو مصعب الزرقاوي الذي هو شخص حقيقي وحقيقي جداً.
كان سهلاً على أميركا فرط العراق. سهل لها صدام حسين المهمة الى درجة بات عليها التساؤل حالياً: هل يمكن إعادة تركيب البلد وإبقائه موحداً؟ الدستور نزهة مقارنة بمثل هذه المهمة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00