8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

على ماذا يراهن شارون بعد الانسحاب من غزة؟

ليس سهلاً أن يفكك الاسرائيليون مستوطنات في غزة. إنها المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك منذ العام 1967. لقد سبق لاسرائيل أن أزالت مستوطنات، أو على الأصح مستعمرات، أقامتها في سيناء، لكن الجديد أن الذي يحصل في غزة، يحصل على أرض فلسطينية. وما دامت اسرائيل فككت مستوطنات غزة، لماذا لا تفكك غداً مستوطنات الضفة الغربية؟
كل ما يمكن قوله ان زوال الاحتلال الاسرائيلي عن غزة "لحظة تاريخية" تماماً كما يقول السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، هذه لحظة تاريخية من زوايا عدة أولاها أن إزالة مستوطنة من أرض فلسطينية يشكل سابقة أجبر ارييل شارون على الاقدام عليها تحت ضغط ظروف دولية معينة في طليعتها الاصرار الأميركي على تنفيذ "خريطة الطريق" بدءاً بالانسحاب من غزة.
كذلك، يمكن القول ان هذه لحظة تاريخية لأن شارون أقدم على خطوة الانسحاب من غزة على الرغم من وجود أكثرية في تكتل ليكود تعارض ذلك. وما استقالة بنيامين نتانياهو من الحكومة سوى دليل على مدى شراسة المعارضة التي تلقاها خطوة الانسحاب من غزة من اليمين الاسرائيلي.
اختار رئيس الوزراء خط الاستجابة للأكثرية الاسرائيلية التي تطالب حالياً بانفصال تام عن الفلسطينيين. والأمر الذي لا بد من ملاحظته أن توقف العمليات الانتحارية بشكل شبه كامل، أحدث تطوراً داخل المجتمع الاسرائيلي. لم تعد الأكثرية في هذا المجتمع مؤيدة لليمين المتطرف الداعي الى الذهاب بعيداً في العمليات العسكرية، بل صارت تميل الى اتخاذ إجراءات تعزل اسرائيل عن التجمعات الفلسطينية الكبيرة... ولذلك كان الانسحاب من غزة. ولذلك لا يزال إصرار على إقامة "الجدار الأمني" الذي يستهدف تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.
استغل شارون التحوّل الذي طرأ على الرأي العام الاسرائيلي، وهو تحوّل رافقته رغبة أميركية وأوروبية في إيجاد تسوية بين الاسرائيليين والفلسطينيين انطلاقاً من غزة، لطرح مشروع جديد. يتلخص هذا المشروع بالعمل من الآن فصاعداً على ابتلاع أجزاء من الضفة الغربية بواسطة "الجدار الأمني" من جهة وعلى المحافظة على العلاقة المتميزة مع الادارة الأميركية من جهة أخرى. ولهذا السبب نجد أن شارون يبذل باستمرار جهوداً لمنع "أبو مازن" من تحقيق أي شيء على الأرض كي يظهره لدى الأميركيين في مظهر الرئيس الفلسطيني "العاجز". وليس سراً أن أكثر ما يضايق رئيس الوزراء الاسرائيلي وجود علاقة مباشرة بين "أبو مازن" والادارة الأميركية تسمح للأول بدخول البيت الأبيض.
ولكن أبعد من ذلك كله أن هدف شارون من الانسحاب من غزة قطع الطريق على مزيد من التحول داخل المجتمع الاسرائيلي في اتجاه قبول مشاريع سلمية من نوع "وثيقة جنيف" التي توصل إليها الاسرائيلي يوسي بيلين مع الفلسطيني ياسر عبد ربه. هذه وثيقة لا تتجاهل ما توصل إليه الجانبان حتى الآن خصوصاً بعد انعقاد كامب ديفيد صيف العام 2000 وقبل اتخاذ القرار الخاطئ بعسكرة الانتفاضة. والواقع أن الجانبين توصلا في محادثات أجريت في طابا وشرم الشيخ أواخر السنة 2000 الى حل نسبة تصل الى تسعين في المئة من المشاكل العالقة. وهذا سمح لاحقاً لبيلين وعبد ربه بالتوصل الى وثيقة جنيف التي تؤدي الى تسوية تلبي حداً أدنى من طموحات الشعب الفلسطيني، وتظل في الوقت نفسه تسوية معقولة ومقبولة الى حد كبير.
يراهن رئيس الوزراء الاسرائيلي الآن على أن غزة في مرحلة ما بعد الانسحاب وزوال الاحتلال ستكون مسرحاً للفوضى الفلسطينية. ومثل هذه الفوضى كفيلة بجعل المجتمع الدولي ينصرف عن أي محاولة جديدة لإقناع شارون بأن هناك شريكاً فلسطينياً يمكن التفاوض معه من أجل حل نهائي. ولذلك لا بد من امتلاك الجرأة الكافية للقول ان الكرة هي حالياً في الملعب الفلسطيني، ذلك أنه إذا تحوّلت غزة نموذجاً مصغراً لدولة فلسطينية حضارية، لن يعود أمام شارون خيار آخر غير التفاوض مجدداً مع "أبو مازن". وسيسهل للعالم أن يقول له انه قادر على إزالة مستعمرات الضفة مثلما أزال مستعمرات غزة وأن الدولة الفلسطينية المستقلة ضرورة من ضرورات الاستقرار في المنطقة وأن لا مفر من هذا الاستحقاق! إنها لحظة تاريخية بالفعل تضع القضية الفلسطينية عند مفترق أساسي!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00