يأتي خطف ديبلوماسيين جزائريين في العراق ليؤكد أن ثمة خطة مدروسة هدفها الواضح تقليص الوجود العربي في البلد. هل صدفة أن يأتي خطف الديبلوماسيين في المنطقة ذاتها التي خطف فيها رئيس البعثة الديبلوماسية المصرية إيهاب الشريف الذي أعلن عن إعدامه من دون العثور على جثته حتى الآن! وهل صدفة أن يكون خطف الشريف جاء بعد سلسلة التظاهرات المفتعلة التي استهدفت الوجود السياسي والديبلوماسي الأردني في العراق؟ وأخيراً هل صدفة أن تستمر المحاولات الهادفة الى تقليص الوجود العربي في العراق في وقت اغتيل فيه اثنان من ممثلي السنّة العرب في اللجنة التي تتولى صياغة دستور دائم للبلد!
كانت الرسالة واضحة وتتلخص بأن المطلوب ألا تكون هناك كلمة للسنّة العرب في عملية صياغة الدستور، وهي عملية يفترض أن تنتهي أواخر الشهر المقبل، وكان ملفتاً أن الجهة المتهمة باغتيال العضوين السنيين العربيين في لجنة صياغة الدستور لم تكن جماعة الزرقاوي أو جماعة إرهابية أخرى من الاتجاه ذاته. لقد وجهت أصابع الاتهام الى إحدى الميليشيات التابعة لأحد الأحزاب المشاركة مباشرة في السلطة، وهذا يعني بكل بساطة أن الصراع المذهبي دخل مرحلة متقدمة وأن هناك من يريد استبعاد السنة العرب عن عملية صياغة الدستور، وهي عملية معقدة يتبين يومياً أنها ستقرر مصير العراق خصوصاً هل يبقى موحداً ويحافظ على حد أدنى من عروبته بصفة كونه من مؤسسي جامعة الدول العربية.
ما يثير القلق في هذه المرحلة بالذات وفي وقت يجري فيه الاعداد لدستور دائم للبلد أن الهوة التي ترافق عملية إبعاد العرب عن العراق تأتي في موازاة تقارب عراقي ـ إيراني. بالطبع لا يمكن إلا الترحيب بمثل هذا التقارب نظراً الى أن المنطقة والبلدين في حاجة إليه، ولكن من الأفضل ألا يكون التقارب على حساب العلاقات العربية ـ العراقية عموماً وعلى حساب وحدة البلد وما بقي من عروبته.
لا شك أن السنّة العرب يتحملون مسؤولية كبيرة عن الحال التي وصل إليها البلد وذلك عندما رفضوا المشاركة في الحياة السياسية وخوض الانتخابات التي حصلت في أواخر كانون الثاني الماضي، ولكن ما لا بد من الاشارة إليه في الوقت ذاته أن الأحزاب الشيعية الرئيسية على رأسها "الدعوة" و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" لم تسع الى استيعابهم ومساعدة المعتدلين على مواجهة المتطرفين الذين لا يؤمنون سوى بالارهاب.
ما يمكن قوله ان الاحزاب الشيعية الرئيسية أي "الدعوة" و"المجلس الأعلى" تحديداً لم تفعل شيئاً لطمأنة السنة العرب ودفعهم في اتجاه الاعتدال والانفتاح على الآخرين. على العكس من ذلك، ان تصرفات كثيرة للحزبين أثارت مخاوف السنة العرب ودفعتهم في اتجاه التعاون مع الارهاب والارهابيين. ومثل هذه التصرفات، بما فيها الدعوة الى تولي ميليشيات حزبية حفظ الأمن، تصب في المخطط الذي يعمل له الزرقاوي وجماعته، أي أن تتحول الحرب الأهلية في العراق من حرب غير معلنة الى حرب مكشوفة مع ما سيجره ذلك من ويلات على المنطقة كلها.
لعل أخطر ما يرافق الابتعاد العربي عن العراق والتقارب بين طهران وبغداد، الاعترافات الأميركية المتزايدة بأن الجماعات الارهابية التي تدعي أنها سنية تزداد قوة وفعالية. وفي هذا المجال يقول ضابط في الاستخبارات العسكرية الأميركية لصحيفة "نيويورك تايمز": "اننا نعتقل أو نقتل عدداً كبيراً من المتمردين. لكن آخرين يأتون سريعاً ويحلون مكان هؤلاء". أكثر من ذلك، بدأ الأميركيون يؤكدون أنهم غير قادرين على فهم طريقة عمل الارهابيين وكيفية تحركهم وكيفية وصول المقاتلين الأجانب الذين يعتقد أنهم ينفذون معظم العمليات الانتحارية.
بعد سبعة وعشرين شهراً على الاحتلال الأميركي للعراق، لا يبدو أن هناك بصيص أمل بأن الوضع يمكن أن يتحسن. كل ما يمكن قوله ان البلد على كف عفريت في غياب مشروع حضاري مبني على فكرة دستور عصري يؤمن بالمواطن أولاً وبحقوقه قبل أن يؤمن بضرورة هيمنة مذهب معين بحجة أن صدام حسين ظلم الآخرين. نعم ظلم صدام وهو يستحق المصير الذي لقيه، لكن ذلك لا يبرر معالجة الظلم بنوع آخر من الظلم لا يصب إلا في مصلحة التطرف والمتطرفين والارهاب والارهابيين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.