ذهب رئيس البعثة الديبلوماسية العراقية في بغداد السفير ايهاب الشريف ضحية الحرب الأهلية غير المعلنة التي يشهدها البلد. وهي حرب في غاية الخطورة اتخذت أخيراً استناداً الى القادمين من بغداد ومن مناطق ومدن عراقية اخرى طابعاً مذهبياً مكشوفاً. انه طابع يصعب تغطيته بالشعارات عن الوحدة الوطنية التي يطلقها هذا الطرف أو ذاك أكان مشاركاً في الحكومة العراقية أو خارجها. كذلك ذهب الشريف ضحية المحاولات التي يبذلها غير طرف عربي لايجاد مشروع لإعادة اللحمة الى العراق والمحافظة على وحدته وعلى مقدار معين من انتمائه العربي.
وبسبب وجود هذا المشروع، لم تبذل السلطات العراقية المهيمنة في هذه المرحلة على القرار الأمني والسياسي ضرورة لتوفير الحماية اللازمة لرئيس البعثة الديبلوماسية المصرية وذلك على الرغم من أهمية الرجل وأهمية مصر وأهمية ان يكون لها وجود ديبلوماسي في العراق.
هذا لا يعني ان الحكومة العراقية متهمة باغتيال الديبلوماسي المصري، إلا انه يعني وجود تقصير من جانبها وهو تقصير لا مبرر له سمح للجماعات الإسلامية المتطرفة التي يقودها "أبو مصعب الزرقاوي" بقتل الرجل الذي كان يؤدي في العراق مهمة وطنية تخدم في النهاية وحدة البلد وسلامة أراضيه وما بقي من عروبة فيه.
وفي ضوء ما تعرض له الديبلوماسي المصري في بغداد وفي حي المنصور بالذات أحد أرقى أحياء العاصمة العراقية، يمكن فهم الحملة الظالمة التي سبق للأردن ان تعرض لها لسبب أقل ما يمكن ان يقال عنه انه لا يستحق كل هذا الهياج وكل هذه التظاهرات التي استهدفت في مرحلة معينة الانتهاء من الوجود الديبلوماسي الأردني في بغداد.
وفي ما يخص الأردن ايضاً، لا بد من التذكير بأن لا شيء يبرر قتل مدنيين في العراق. ولكن لا بد من الاعتراف في الوقت نفسه بأن كل ما حصل بعد الإعلان عن وجود أردني من السلط قتل في العراق، كان مبالغات وردود فعل تصب كلها في اتجاه ابعاد أي طرف عربي عما يدور في العراق ومنع التأثير الايجابي العربي على الأحداث عبر إشراك السنة العرب في مشروع سياسي يستهدف قيام بلد ديموقراطي موحد يحافظ على التوازنات الداخلية.
ان البديل من هذا المشروع السياسي البنّاء استمرار الفوضى والتجاذبات بما يخدم القوى الإقليمية غير العربية الساعية الى تحويل العراق منطقة نفوذ لها. وهذه القوى تلتقي بطريقة أو بأخرى من حيث تدري أو لا تدري مع المشروع المتطرف الذي يقوده الزرقاوي واشباهه من المتطرفين الذين يعتقدون ان في الإمكان تحويل العراق بديلاً من أفغانستان "طالبان".
يفترض في اغتيال رئيس البعثة الديبلوماسية المصرية ان يدفع العرب في اتجاه مزيد من التيقظ لمدى خطورة الوضع العراقي خصوصاً ان الإدارة الأميركية بدأت تدرك انها ليست قادرة على ايجاد مخرج من المأزق الذي أوصلت نفسها اليه. صحيح ان هناك مشكلة أميركية كبيرة في العراق، إلا ان الصحيح ايضاً ان المشكلة العربية أكثر عمقاً نظراً الى ان استمرار التجاذبات بين ابناء المذهبين الكبيرين في البلد يمكن ان تكون له انعكاسات في غاية السوء على الصعيد الإقليمي.
لا شك ان هناك محاولات يبذلها العقلاء من الشيعة وأهل السنة لتفادي مزيد من التدهور في العلاقات بين المذهبين، ولكن يظل الخوف كبيراً جداً من انفلات للوضع في اتجاه تطهير عرقي في هذه المنطقة أو تلك يجر الى حرب أهلية مكشوفة تدفع الأكراد الى الذهاب أبعد من الدعوة الى الفيديرالية.
مرة اخرى، يحتاج العراق حالياً الى تغليب العقل والحكمة على انفلات الغرائز. وهذا ليس ممكناً في حال استمرار الأطراف الشيعية المتطرفة في الدعوة الى حكم الأكثرية بطريقة تذكر بممارسات نظام حسين... وفي حال استمر رهان المتطرفين من أهل السنة على العنف ولا شيء غير العنف وعلى العمليات الانتحارية التي لا يمكن ان توصف بغير الارهاب. هذه ليست مقاومة، هذا ارهاب وكل من يقول عكس ذلك يدعم الارهاب بطريقة أو بأخرى.
ان الوضع العراقي محير، لكن لا مفر من موقف عربي واضح يبدأ بإدانة الارهاب والسعي بكل الوسائل لايجاد توازن في هذا البلد المهدد بالتقسيم حقيقة. هذا هو الواقع. وعندما يتدخل العرب في العراق، يكون تدخلهم دفاعاً عن النفس ودفاعاً عن العراقيين الى أي فئة انتموا، ذلك ان الفتنة أطلت برأسها، والحروب الأهلية معروف كيف تبدأ ولكن ليس معروفاً كيف يمكن ان تنتهي.
الشيء الوحيد الأكيد في الحال الراهنة انها لا يمكن ان تنتهي إلا على حساب العراق والعراقيين...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.