8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حماس" ودروس تفجيرات لندن!

في وقت تستعد إسرائيل للانسحاب من قطاع غزة، يفترض في "حماس" الا تستغل الوضع الفلسطيني المعقّد لتسجيل نقاط على السلطة الوطنية الفلسطينية. مثل هذه النقاط التي تسجل على حساب السلطة بل تصبّ في مصلحة إسرائيل وتحديداً في مصلحة آرييل شارون الساعي الى استخدام الانسحاب من غزة لتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية وللقدس كل القدس.
ليس ما يدعو، هذه الأيام الصعبة، الى المزايدة. على النقيض من ذلك، المطلوب أكثر من أي وقت اعتماد برنامج سياسي واقعي يأخذ في الحسبان موازين القوى الإقليمية والدولية. وكل ما عدا ذلك كلام متهور لا يستفيد منه سوى الإسرائيليين الساعين الى تفادي إقامة دولة فلسطينية "قابلة للحياة" عاصمتها القدس الشرقية.
يفترض في ما حصل في لندن الخميس الماضي أن يكون درساً آخر يستفيد منه الجانب الفلسطيني، أقله استيعاب أن العالم المتمثل في الدول الصناعية، التي كانت مجتمعة على مستوى القمة في اسكوتلندا، مصمم على الذَهاب الى النهاية في حربه على الإرهاب، ومشكلة هذا العالم أنه يرى إرهاباً في كل عمل من شأنه أن يؤدي الى مقتل مدنيين أو إصابتهم بجروح بصرف النظر عن الظروف التي رافقت القتل. والمؤسف أن إسرائيل عرفت كيف تستفيد من المعطيات الجديدة في العالم الى أقصى حد فيما أخفق الجانب الفلسطيني في ذلك ودفع ثمن هذا الإخفاق غالياً.
يمكن أن نضع برسم "حماس" التي أعلنت أخيراً بلسان أحد قيادييها أنها لن تلقي سلاحها وأنها فقدت كل ثقة برئيس السلطة الوطنية وأنها ترفض المشاركة في حكومة وحدة وطنية فلسطينية مع "فتح"، ما شهدته مرحلة ما بعد 11 أيلول 2001. فقد تبيّن أن تلك المرحلة كانت منعطفاً حقيقياً حول المجرم الذي اسمه آرييل شارون الى ضحية والشعب الفلسطيني، الذي هو ضحية حقيقية للإرهاب الإسرائيلي الى مجرم، أقله من وجهة نظر الولايات المتحدة. لا بد من الاعتراف بأن إسرائيل عرفت كيف تتصرف في تلك المرحلة بانضمامها الى ما سمته أميركا "الحرب على الإرهاب" في حين أن الجانب الفلسطيني لم يدرك تماماً معنى الحدث وابعاده وظل يتصرف وكأن شيئاً لم يكن، وكأن العالم لم يتغير. وبدل اتخاذ موقف شجاع بوقف عسكرة الانتفاضة والانتقال الى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة، استمرت فوضى السلاح واستمرت العمليات الانتحارية التي مكّنت شارون من وضع الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات في الإقامة الجبرية ابتداء من نهاية السنة 2001.
ستعطي الأحداث الإرهابية التي شهدتها لندن والتي تدخل في السياق نفسه لأحداث 11 أيلول ولأحداث مدريد في آذار من العام 2003 زخماً متجدداً للحرب على الإرهاب، خصوصاً أن تفجيرات العاصمة البريطانية التي أدت الى مقتل مدنيين وإصابة عشرات بجروح وقعت فيما كانت قمة الدول الصناعية الثماني منعقدة في اسكتلندا.
لا وقت لدى العالم للتفريق بين ملثّم يطلق النار في شوارع غزة ومجرم يزرع قنبلة في لندن. بالنسبة إليه إن هذا النوع من المظاهر يخفي إرهاباً وإرهابيين. ومن الأفضل لحركة مثل "حماس" التيقّن من ذلك وتغيير خطابها السياسي وانتهاج سلوك مختلف بدل السعي الى المزايدة على السلطة الوطنية الفلسطينية، وتوجيه الاتهامات إليها. وتستطيع، إذا كانت تريد التأكد من ذلك، الاستفادة من التجربة السورية، ذلك أنه لو كانت دمشق تريد فعلا الاستمرار في سياستها القديمة غير آخذة في الحسبان موازين القوى الإقليمية والدولية، لما كانت استقبلت السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على أعلى المستويات.
إن محمود عباس الذي كان أخيراً في واشنطن التي أكدت باسم الرئيس بوش الابن التزامها قيام دولة فلسطينية مستقلة على أساس "خطوط وقف النار للعام 1949"، رجل واقعي أولاً وأخيراً. إنه لا يعد شعبه بالقمر وهو لا يستطيع أن يوفر له الأمن وحداً أدنى من الظروف المعيشية المقبولة إنسانياً. والأهم من ذلك كله أن محمود عباس يدرك أن الجيش الاسرائيلي لا يطوق القدس وتل أبيب، بل أن هذا الجيش يسرح ويمرح في الضفة الغربية ويقتل ويدمر في مدنها وقراها وفي قطاع غزة وليس في العالم من يوجه إليه ملاحظة. نعم إنه عالم ظالم، لكن التعامل معه لا يكون بالتمسك بالسلاح وإطلاق شعارات من نوع "إن قضيتنا الوطنية ليست مرتبطة لا بالضفة الغربية ولا بغزة ولا بالقدس. قضيتنا في "حماس" مرتبطة بفلسطين كل فلسطين". إنه كلام جميل لكنه كلام يبعد الفلسطينيين عن الدولة الفلسطينية لا أكثر ولا أقل!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00