8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لا مبرر لمواقف إيران من رسم كاريكاتوري

ليس ما يدعو السلطات الإيرانية الى اتخاذ مثل هذه المواقف العدائية من دول الخليج بسبب رسم كاريكاتوري ظهر في احدى الصحف البحرينية. قبل كل شيء ليس في الرسم ما يسيء الى إيران والإيرانيين وزعماء إيران من رجال الدين. كل ما في الأمر انه يعبر عن واقع يتمثل في الدور الذي لعبه "مرشد الثورة الإسلامية" آية الله علي خامنئي في ايصال المرشح المحافظ محمود أحمدي نجاد الى رئاسة الجمهورية. وليس سراً ان أحمدي نجاد كان مرشح الجناح المحافظ وانه كان يلقى دعم خامنئي الذي بات حالياً زعيماً من دون منازع لإيران.
تحتاج إيران، إذا كانت تريد بالفعل مواجهة الحملات التي تشن عليها بسبب برنامجها النووي أولاً، الى طمأنة جيرانها العرب الى ان التغيير الذي حصل أخيراً لا يعني العودة الى سياسة "تصدير الثورة"، ذلك ان هذا الشعار تجاوزه الزمن. أكثر من ذلك تسبب في الماضي الكلام الإيراني عن "تصدير الثورة" في مشاكل ضخمة في المنطقة لم تستفد منها سوى القوى الخارجية على رأسها الولايات المتحدة التي استطاعت بفضل التهديدات الإيرانية للدول القريبة تبرير وجودها العسكري الدائم في الخليج.
ان التصعيد الإيراني مع دول الخليج العربي يذكر بأيام سود لم يستفد منها أحد. على العكس من ذلك، اثار التصعيد في الماضي نعرات وغرائز تبين لاحقاً ان الجانبين في غنى عنها، ولم يكن المستفيد من هذا التصعيد سوى القوى الأجنبية التي تشكو إيران باستمرار من تدخلها في شؤون المنطقة، ومن وجودها العسكري فيها. ولكن لندع المزايدات جانباً، هل تعتقد إيران ان أي دولة من دول المنطقة كانت ستطالب بأي نوع من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة أو غير الولايات المتحدة لولا شعورها بتهديد خارجي؟
يمكن ان يكون أفضل تعبير عن هذا التهديد كلام الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد رضا آصفي الذي قال الاحد الماضي رداً على الرسم الذي صدر في الصحيفة البحرينية موجهاً كلامه الى دول الخليج: "ان قدراتنا تفوق قدراتكم بأشواط... عليكم ان تكونوا أكثر حذراً". لا أحد يشك في ان قدرات إيران تفوت قدرات دول الخليج وإلا لما كانت تحتل الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى منذ العام 1972. ولكن يفترض في إيران ان تتذكر دائماً أن منطقة الخليج منطقة غنية بالنفط ولان هذا النفط يسيّر العالم وهو بالتالي سلعة عالمية، والعالم بكل بساطة ليس على استعداد لترك المنطقة تحت سلطة أحد أو رهينة لأحد.
ما تستطيع إيران ان تفعله هو التوقف عن المزايدة على الآخرين وتحذيرهم، ذلك ان هناك مآخذ كثيرة يمكن ان تساق متى طرح موضوع الاحتلال الأميركي للعراق وطريقة تعاملها مع هذا الاحتلال. فالى اشعار آخر تبدو إيران وكأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي ساندت عن سابق تصور وتصميم العملية العسكرية الأميركية في العراق. ولا شك ان هذه العملية قوّت الموقع الإقليمي لإيران وعززته بعدما صار العراق أو جزء منه منطقة نفوذ إيرانية.
ولكن، ثمة فارق بين ان تتمكن إيران من تعزيز موقعها الإقليمي ومد نفوذها الى العراق وبين ان تصبح القوة الإقليمية المهيمنة على المنطقة. ان ذلك ليس مسموحاً به مثلما انه ليس مسموحاً لها امتلاك السلاح النووي.
يمكن فهم الموقف الإيراني من العملية العسكرية الأميركية في العراق، كذلك يمكن فهم تحرك جناح المحافظين بزعامة خامنئي لحصر كل مراكز النفوذ به وذلك بعدما تبين ان إيران لم تجن سوى الارباح من التدخل الأميركي في العراق. ولكن ما لا يمكن فهمه هو التصعيد مع دول الخليج كما لو ان القصد دفعها في اتجاه مزيد من التعاون العسكري مع أميركا، علماً بأن الطريق الأخطر لقطع الطريق على التدخل المباشر للقوى الخارجية في شؤون المنطقة علاقات متوازنة بين إيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة اخرى تقوم على التكافؤ والاحترام المتبادل. هل كثير ان يطلب من إيران اقامة مثل هذه العلاقات مع جيرانها الخليجيين؟ أم أن النقاط التي سجلتها في العراق بفضل الأميركيين باتت تسمح لها بالتصرف من منطلق انها قادرة على التعاطي مع الولايات المتحدة بطريقة مختلفة بعدما صارت تعتبر نفسها القوة الإقليمية الوحيدة في الخليج؟ هل من تفسير آخر للكلام الصادر عن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00