هل يمكن الحديث عن مشروع عربي للعراق؟ الجواب أن هناك بداية مشروع لم يتبلور بعد نهائياً يقوم على فكرة إشراك السنّة العرب بطريقة فعالة في صياغة دستور جديد للبلد خلال الفترة الباقية لولاية المجلس الوطني الحالي التي تنتهي بعد سبعة أشهر. ويبدو أن مشاركة السنّة العرب في صياغة الدستور الدائم للعراق كانت وراء الزيارة الأخيرة التي قام بها للقاهرة الدكتور أياد علاوي رئيس الوزراءالعراقي السابق الذي يمكن اعتبار كتلته النيابية الأكبر في المجلس الوطني العراقي إذا أخذنا في الاعتبار أن اللائحة الشيعية التي حصدت ما يزيد بقليل على نصف أعضاء المجلس ليس تكتلاً حزبياً متماسكاً في حد ذاته ولا يمكن اعتبارها كتلة نيابية في حد ذاتها.
للمرة الأولى منذ فترة طويلة يمكن القول ان هناك محاولة عربية جدية لمساعدة العراق على لملمة أوضاعه من منطلق أن ذلك ليس ممكناً من دون توازن داخلي العنصر السني العربي بصفة كونه ركناً من الأركان الثلاثة التي يقوم عليها البلد. أما الركنان الآخران منهما الشيعة، وهم في معظمهم من العرب، والأكراد. وقد عانى الأكراد والشيعة الأمرّين في مرحلة ما بعد انهيار النظام الملكي في العام 1958 وزاد القمع الذي تعرّضوا له مع وصول حزب البعث إلى السلطة في العام 1963 واستمر ذلك إلى حين سقوط نظام صدام حسين في نيسان من العام 2003.
مضى ما يزيد على عامين على الانتهاء من نظام صدام. ومضت سنة على تسليم السيادة للعراقيين. ومضت خمسة أشهر على الانتخابات التي انبثق عنها مجلس وطني موقت يفترض أن تنتهي ولايته أواخر كانون الثاني المقبل تمهيداً لإجراء انتخابات على أساس الدستور الجديد الذي على المجلس الوطني إقراره.
بعد سقوط صدام على يد الأميركيين كان متوقعاً بزوغ فجر جديد على العراق، فجر الحرية والديموقراطية والتعددية السياسية. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل. وساد بعد ذلك رأي فحواه أن مجرّد تسليم السيادة للعراقيين سيعني أنه ستولد قناعة لدى الشعب بأن الولايات المتحدة لا تنوي احتلال البلد إلى ما لا نهاية بل ستسلم السلطة كاملة إلى أهله متى بدأوا يتدبرون أمورهم بأنفسهم. لكن تسليم السيادة لم يؤد إلى النتائج المرجوة واستمر الوضع الأمني في التدهور. وكان متوقعاً أن تكون انتخابات المجلس الوطني نقطة التحوّل خصوصاً أن العراقيين تحدوا الارهاب والارهابيين ونزلوا إلى الشارع واتجهوا إلى صناديق الاقتراع ليختاروا نوابهم. لم يصمد جو التفاؤل الذي ساد بعد الانتخابات طويلاً في ظل استمرار العمليات الارهابية التي يحب كثيرون تسميتها "مقاومة". واليوم بات المواطن العراقي العادي في حيرة من أمره. هل يصدق رئيس الوزراء السيد ابراهيم الجعفري الذي يعتقد أن في الامكان القضاء على الارهاب في غضون سنتين أم عليه تصديق وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي يخشى أن يستمر الارهاب اثني عشر سنة أخرى!
يمكن أن يقوم المشروع العربي للعراق على دعم الفئات الشيعية والسنية والكردية التي تؤمن أولاً بوحدة البلد وبضرورة العمل على أن تكون لجنة صياغة الدستور لجنة متوازنة. ومعنى ذلك ألا يطغى عليها الشيعة الذين يتلقون تعليمات من طهران، خصوصاً أن لدى المحافظين في ايران الذين أظهروا أنهم يسيطرون على البلد، بعد فوز محمود أحمد نجاد بالرئاسة، ميلاً لمزيد من التدخل في الشؤون العراقية. كذلك يأخذ هذا المشروع في الاعتبار أن المجتمع العراقي، شيعة وسنّة، قادر على مقاومة التدخلات الخارجية متى وجد أشخاص مثل اياد علاوي الشيعي العربي القادر على محاورة الجميع بالتنسيق مع الدول العربية المجاورة للعراق وبدعم منها. والأهم من ذلك كله العمل منذ الآن على أن يكون الدستور العراقي الجديد دستوراً عصرياً من جهة وتشجيع السنّة العرب من بعثيين واسلاميين على خوض الانتخابات المقبلة، والمشاركة فيها بكثافة وذلك بهدف تحقيق تغيير نوعي في تشكيلة البرلمان الجديد من جهة أخرى.
لا يزال المشروع العربي للعراق أفكاراً عامة، ولكن ما يدعو إلى التفاؤل وجود هذه الأفكار أولاً والبدء في البحث فيها ثانياً. والأكيد أن أموراً كثيرة ستعتمد في النهاية على عاملين الأول تحرّك مشترك للشيعة العرب، والسنّة العرب لتأكيد أن أكثرية العراقيين متمسكة بعروبة العراق، والآخر توصل هؤلاء إلى تفاهم مع الأكراد يؤدي إلى إيجاد كتلة عراقية كبيرة قادرة على قول لا لكل مَنْ يريد تحويل البلد منطقة خاضعة لنفوذه...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.