ترك انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران انطباعاً بأن الثورة الإيرانية عادت الى أيامها الأولى أيام الإمام الخميني. ربما كان ذلك صحيحاً وربما لا، إلا ان الأمر الذي لا بد من تذكره هو ان الثورة في بدايتها كانت ثورة منفتحة على محيطها وعلى العالم ولم يبدأ التطرف والتزمت إلا بعد مرور أشهر على إطاحة نظام الشاه. ما حصل وقتذاك ان المتشددين انقلبوا على الحكومة الأولى التي تشكلت بعد الثورة، وكانت تلك الحكومة برئاسة مهدي بازركان وهو شخصية وطنية معتدلة وعصرية. ويمكن القول اليوم إن التخلص من حكومة مهدي بازركان كان الانقلاب الأول بعد الثورة، وهو انقلاب تلاه تصعيد مع الولايات المتحدة توج باحتلال سفارتها في طهران طوال 444 يوماً واحتجاز الديبلوماسيين الذين كانوا فيها طوال تلك الفترة.
ساهمت عوامل كثيرة وقتذاك في اتجاه الثورة الإيرانية نحو مزيد من التزمت. ويمكن الحديث أولاً عن السياسة المائعة التي انتهجتها إدارة الرئيس جيمي كارتر من جهة والغباء العراقي من جهة اخرى. انه غباء نظام صدام حسين الذي قرر شن حرب على إيران بعدما تحرشت به مبدية طموحاً على صعيد لعب دور إقليمي يقوم على فكرة "تصدير الثورة".
كانت نتيجة الحرب التي شنها نظام صدام حسين على إيران الخميني تقوية الجناح المتشدد الذي استطاع إحياء الشعور القومي لدى الإيرانيين فكانت الحرب العراقية ـ الإيرانية التي امتدت ما بين العامين 1980 و1988 حرباً عربية ـ فارسية بكل معنى الكلمة. وإذا كانت إيران خسرت الحرب عندما اضطرت الى قبول وقف النار في النهاية إلا أن ما لا يمكن تجاهله هو ان الحرب قوّت النظام والمتشددين وسمحت لهم بالتخلص من كل ما كان يمكن للجيش الإيراني ان يشكله من خطر على النظام الجديد. فتحت غطاء الحرب نفذت عمليات تطهير واسعة أدت في النهاية الى تغيير طبيعة الجيش الإيراني وجعله بطريقة أو باخرى تابعاً لـ"الحرس الثوري" أي رأس حربة الجناح المتشدد.
ما حصل أخيراً في إيران انقلاب آخر أوصل رجلاً مدعوماً من "مرشد الثورة" آية الله علي خامنئي الى الرئاسة. وبذلك صارت السلطة في مكان واحد ولدى شخص واحد هو ولي الفقيه.
يذكر ذلك بالأيام الأولى للثورة ومرحلة ما بعد الانقلاب الأول عندما وافق الخميني على الانتهاء من حكومة بازركان ورجالاته وحتى من بعض الليبراليين الذين لعبوا دوراً في الترويج له عندما كان في ضاحية نوفل ـ لو ـ شاتو الباريسية. وبين هؤلاء صادق قطب زاده مثلاً الذي أعدم لأسباب غامضة لا علاقة لها سوى بالصراع على السلطة، علماً انه كان في مرحلة ما من أقرب المقربين الى الخميني.
يشير الانقلاب الإيراني الأخير الذي تمثل بوصول محمود أحمدي نجاد الى الرئاسة خلفاً لمحمد خاتمي الى ان المتشددين قرروا قطع الطريق على أي تحول في اتجاه استعادة إيران وضعها الطبيعي داخل المجتمع الدولي. واستفاد أحمدي نجاد في حملته الانتخابية من عوامل عدة بينها دعم "الحرس الثوري" والأجهزة الأمنية التابعة له. انه انقلاب آخر يحصل في إيران مع فارق ان التشدد في هذه المرحلة لا يمكن ان يكون في مصلحة النظام وذلك لأكثر من سبب. قبل كل شيء ان الحرب الباردة انتهت وليس في استطاعة إيران الاستفادة من الصراع الذي كان قائماً بين القوتين العظميين كما حصل في مرحلة ما بعد الثورة عام 1979. والأهم من ذلك، أن الجيش الأميركي بات موجوداً على الحدود الإيرانية أكان ذلك من جهة أفغانستان أو من جهة العراق. صحيح ان النظام الإيراني قادر على ممارسة ضغوط قوية على الأميركيين من خلال العراق حيث بات له وجود قوي إثر انتقال السلطة الى الأكثرية الشيعية في ذلك البلد العربي، لكن الصحيح ايضاً ان الأميركيين ليسوا على استعداد لصفقة مع إيران إلا إذا التزمت شروطاً معينة. ومن أهم هذه الشروط، التي ستسمح لطهران بأن يكون لها نفوذ معين في بغداد، التصرف بطريقة عاقلة ان في منطقة الخليج وان في لبنان وان على صعيد الملف النووي.
انقلاب آخر يحصل في إيران. لكنه انقلاب لا يأخذ في الاعتبار الظروف والمعطيات الإقليمية الجديدة ولا التحولات التي يشهدها المجتمع الإيراني الذي لن يقبل في أي شكل العودة الى خلف. انه في كل الأحوال انقلاب يظهر أن المتشددين على استعداد للذهاب بعيداً من أجل الاحتفاظ بهيمنتهم على البلد. فهل لا يزال العصر عصرهم وهل في استطاعة مجتمع حي مثل المجتمع الإيراني تحملهم الى ما لا نهاية؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.